اليوم السابع | نبيل هاشم.. أول كفيف يراقب الاستفتاء على الدستور

اليوم السابع | نبيل هاشم.. أول كفيف يراقب الاستفتاء على الدستور


كفيف مراقب ثانوي!
[رواية قصيرة]
بقلم
محمود سلامة الهايشة

استلم "مصباح" عمَلَه بالإدارة التعليمية التي سلَّمَته عمله بمدرسة قرية "أبو طربوش" الثانوية للبنين، كموظَّف إداري على الأوراق، لكن كمدرِّس لتدريس مادَّتَي اللغة العربية والتربية الإسلامية بشكْل وُدِّي بين الإدارة التعليمية وإدارة المدرسة، بمعرفة موجِّهي تلك المواد؛ لِوُجود عجْز كبير في عدد المدرِّسين، مرَّت الستَّة أشهر كالبرق، "مصباح" مستمتع أنه يعمل بمهنة التدريس؛ فلم يشعر بتلك المدَّة، إلى أن استدعاه مدير المدرسة وأخبره بأن مدَّة التعيين تحت الاختبار انتهت، وذَكَّره بأن يذهب ليقدِّم طلب تحويله من موظف إداري إلى وظيفة مدرِّس، وكان العام الدراسي قد أوشَكَ على الانتهاء.

بالفعل تقدَّم "مصباحٌ" بطلب للسيد الأستاذ وكيل وزارة التربية والتعليم بالمحافظة، وأرفَقَ بالطلب جميع الأوراق والمستندات المطلوبة، وأهمُّها أنه كفيف، ولا يصلح في العمل بوظيفة موظَّف بل بوظيفة مدرِّس لغة عربية، مع تزْكِية من جميع الموجِّهين والمراقبين التربويِّين، يشهدون له بالكفاءة في العمل في مِهْنة التدريس، وإتقانِ إدارة الطلاب في الفصول أثناء التدريس، وامتلاكه لجميع أدوات العمل كمدرِّس.

انتهى العام الدراسي وبدأت الإجازة الصيفية، لم يعد "مصباح" يذهب إلى المدرسة إلا أيَّامًا قليلة في الأسبوع، وهو في انتظار قرار تحويله إلى مهنة مُدرِّس، وقبل بداية العام الدراسي الجديد بأسبوع واحد فقط، كان يجلس "مصباح" في الصباح يستمع إلى نشرة الأخبار على التليفزيون، رنَّ جرس التليفون، فأمسك (بريموت) التليفزيون وأخفَضَ صوته؛ لكي يَسمع من التليفون الرقم الذي يطلبه؛ حيث كان لدى مصباح جهاز تليفون به خاصِّية نُطْق جميع أرقام التليفون التي تتَّصل عليه؛ حتى يعرف مَن المتَّصل؛ لأنَّه لن يرى الرقم المتصل على شاشة إظهار رقم الطالب.

كان يتميز عقل "مصباح" بالذاكرة الفوتوغرافية؛ حيث كان يحفظ جميع أرقام التليفونات بأسماء أصحابها، فعرَف أنَّ الرقم المتَّصِل هو رقم تليفون مدرسة "أبو طربوش"، فقام "مصباح" مسْرعًا متَّجِهًا إلى التليفون ليمسك بسماعة التليفون، فرفَعها وهو يقول:
السلام عليكم.
ردَّ المتَّصِل: وعليكم السلام، لي أن أكلِّم - من فضْلِك - الأستاذ مصباحًا.
فرد مصباح: أهلاً وسهلاً أستاذ عبدالعزيز، معك مصباح.

عبدالعزيز: كيف حالك يا مصباح؟
مصباح: الحمد لله ربِّ العالمين، إنِّي في نعمة.

عبدالعزيز: عندي لك خبر سوف يفرحك.
مصباح: خير يا أستاذنا، بَشِّر.

عبدالعزيز: وصل المدرسة منذ قليل قرارُ تعيينك مدرِّسَ لغة عربية وتربية إسلامية، وضم المدَّة السابقة إلى الخدمة.
مصباح: الله أكبر، الحمد لله، ألف ألف شكْر أستاذ عبدالعزيز.

عبدالعزيز: ألف مبروك يا مصباح، أنت إنسان (ابن حلال)، ومجتهد وتستحِقُّ كل خير.
مصباح: الله يبارك فيك، ويُطِيل لنا في عمرك أستاذنا، هذا كلُّه بفضل الله، ثم مجهودكم معنا طوال الفترة الماضية.

عبدالعزيز: إن شاء الله - تعالى - تأتى غدًا باكرًا؛ حتى تستلم القرار وتذهب به إلى الإدارة التعليمية؛ لِتُنهي إجراءات التَّسْوية في المِهْنة الجديدة.
مصباح: إن شاء الله - تعالى - الساعة الثامنة سوف أكون أمام مكتبك، هل تأمرني بأيِّ شيء أستاذ عبدالعزيز؟
عبدالعزيز: لا يا مصباح، أريدك بخير وصحة، أراك على خير غدًا.

انتهت المكالمة التليفونية بينهما، ووضع سمَاعة التليفون، ثم صرَخ ينادي في البيت:
يا حاج، يا حاجة، أين أنتم؟
فردَّت عليه أمُّه: نعم يا مصباح، أنا في المطبخ.
خرج الحاج محمد من حجرة الصالون: خير يا مصباح، لماذا تصرخ هكذا؟
كان الأستاذ عبدالعزيز معي على الهاتف، وأخبرني أن قرار تعييني مدرِّسًا وصل إلى المدرسة، وقرأ لي نَصَّ القرار، وسوف أذهب غدًا إلى الإدارة التعليمية؛ لكي أستلمه.
فجلس والِدَاه بجواره يهنِّئانه، ويباركان له على هذا الخبر السعيد.

استلم "مصباح" وظيفة مدرِّس، وبَدأ العام الدراسي وهو يمتلأ بالحيوية والنشاط، ومرَّت الأيام والشهور إلى أن اقترب العام الدراسي من نهايته.

كان يجلس "مصباح" في غرفة مُدرِّسي اللغة العربية، وأمامه كوب من الشاي وبجواره علبة من البسكويت، يجلس بجواره الأستاذ "زكريا" زميله في تدريس اللغة العربية بالمدرسة، يتناقشان في مسألة الامتحانات، فدخل عليهما الغرفةَ "إبراهيم" السَّاعي بالمدرسة، وهو يقول:
صباح الخير يا أساتذة.
فرد زكريا: صباح النور يا إبراهيم.

قال مصباح: كيف حالك يا إبراهيم؟ وكيف أحوال أولادك؟
إبراهيم: الحمد لله يا أستاذ مصباح، يسلِّمون عليك جميعًا، جاءك خطاب من الإدارة التعليمية يا أستاذ مصباح.

مصباح: خطاب من الإدارة! لي أنا؟
إبراهيم: نعم، وصل مع بريد المدرسة، أتى حالاً من الإدارة، تفضَّل، ها هو.
فمدَّ زكريا يده وأمسك به، وقال: هو معي يا أستاذ مصباح.

مصباح: تمام جدًّا، شكرًا جزيلاً يا إبراهيم، بارك الله فيك.
إبراهيم: عفوًا أستاذ مصباح، هل تأمرني بشيء؟
مصباح: شكرًا، في أمان الله.

فسكت "مصباح" قليلاً حتى يخرج "إبراهيم" من الغرفة، في تلك الأثناء كان "زكريا" ينظر إلى الخِطَاب ويقلِّبه؛ حتى يَفْهم ما بداخل هذا الخطاب، ثم قال: "زكريا".
زكريا: نعم مصباح.
مصباح: افتَحْ هذا الخطاب حتى نعرف ما به.

زكريا: حاضر، لحظة واحدة، وأمسك بالمقص، وبدأ يفتح الظرف الخارجي، وأخرج الورقة الموجودة به، وقام بفردها، وبدأ يقرأ:
محافظة الجيزة، الإدارة التعليمية، السيد الأستاذ الفاضل/ مصباح محمد مصباح، المدرس بمدرسة (أبو طربوش) الثانوية، تحية طيبة وبعد؛ نحيطكم علمًا بأنه قد وقَع عليكم الاختيار؛ لكي تكونوا ضمْن هيئة المراقبة في امتحانات شهادة الثانوية العامة لهذا العام، وسوف يتم توزيعكم على مراقِبِي محافظة القاهرة، وعليكم مراجعة الإدارة التعليمية؛ حتى تستلم جدولاً بمواعيد وأيام الامتحانات والمدرسة التي سوف تَكُون بها اللجنة التي تراقبون فيها؛ ولسيادتكم فائق الشكر والتقدير؛ مدير عام الامتحانات.

فرفع "زكريا" رأسه ينظر إلى "مصباح" الذي لم يتفوَّهْ بكلمة واحدة، فظل "زكريا" ساكتًا، يريد معرفة ردَّ فعل "مصباح" على هذا الخبر، فلما طالت مدَّة سكوت "مصباح"، قال زكريا: مصباح، يا مصباح، لماذا أنت صامت؟
مصباح: آه، آه، ماذا تقول يا زكريا؟

زكريا: ماذا تقول؟! أنت لست معي! أين ذهبت بعقلك يا رجل؟
مصباح: والله أشعر بأن الدنيا تدور بي.

زكريا: أنت غير سعيد أم ماذا؟
مصباح: ما الذي يدعو إلى السعادة؟

زكريا: جاءتك فرصة كبيرة جدًّا؛ مراقبة امتحانات الثانوية العامة، تعني مكافأة كبيرة.
مصباح: يا رجل، أنت لا تلاحظ شيئًا؟

نظر إليه "زكريا" وتبدو عليه علامات الدهشة والحيرة، بدأ يلتفت حوله وينظر في كل الاتِّجاهات، لم يَرُدَّ على "مصباح" بشيء.
فقال مصباح: أين أنت يا زكريا؟

زكريا: أنا هنا، لم ألاحظ شيئًا؟
فضحك "مصباح" بصوت مرتفع، كأنَّه يَسْخر منه، وبدأ يَهْدأ من الضحك، ويقول: لا تغضب مني يا زكريا؛ أنا أضحك لأنَّك لم تَفْهم كلامي يا رجل، أنا كفيف.

زكريا: وما الجديد في ذلك؟ وما الغريب في هذا؟
مصباح: كيف أكون مراقبَ امتحانات على طلاَّب؟ ليست امتحانات عادية، هذه امتحانات الثانوية العامة!

زكريا: تعني أنَّك لا تريد أن تذهب وتنفذ تكليفك بها.
مصباح: بكل تأكيد، إن شاء الله غدًا سوف أذهب إلى الإدارة التعليمية، وأقدِّم طلب اعتذار.
بالفعل ذهب "مصباح" وقدَّمَ الطلب، لكن أثناء تقديمه له، قال له الموظف: هذا الطَّلَب لن يُقبَل؛ لأن اللجنة العامة للمراقبة على امتحانات الثانوية العامة ترفض نهائيًّا أيَّ طلب للاعتذار.

ظل "مصباح" يَنتظر الموافقة على اعتذاره، ولكنَّه لم يُقبَل، ذهب أوَّل يوم في امتحانات الثانوية العامة، وحرَّر محضرًا بمركز الشرطة التَّابعة له المدرسة، التي بها لجنة الامتحان التي كان من المفروض أن يراقِب فيها، وسجَّلَ الواقعة في هذا المحضر؛ مِن خِطَاب تكليفه للمراقبة، وصورة من طلب الاعتذار، وما يثبت أنه كفيف، فكيف لمدرس غير مُبصِر أن يراقب على طلاب أثناء الامتحانات؟

عندها اتَّصل قسم الشرطة بالإدارة التعليمية يُخبِرها بالأمر؛ لاتِّخاذ الإجراءات اللازمة؛ لأنَّ الامتحانات قد بدأَتْ، فجاء مدير عام الشؤون القانونية للإدارة، وقال أمام الضابط: إنه لا يوجد أيُّ شيء في اللوائح والقوانين يَمنع أيَّ مدرِّس كفيف من المراقبة في الامتحانات، وعليه فلا بد أن يذهب "مصباح" غدًا إلى لجنته، ويباشِرَ عمَلَه، وسوف يُحسَب له اليوم الأول أنَّه غياب عادي، فاندهش الضابط، وتعجَّب "مصباح"!

قرَّر "مصباح" أن يخوض تلك التجربة العجيبة.

في صباح اليوم التالي:
ركب "مصباح" السيارة (الميكروباص) التي تنقل مجموعة المدرِّسين الذين يعملون معه في مدرسته، ويذهبون ليراقِبُوا في نَفْس المكان، سارت السيارة وجميع المدرِّسين يتسامرون ويضحكون مع "مصباح" بخصوص كيفية مراقبته للتلاميذ أثناء الامتحان!

وصل "مصباح" إلى لجنة الامتحان، ووقَّع في دفتر الحضور، عَلِم أنه سوف يراقِب اليوم على طلاب القسم الأدبي، والمادَّة التي يُمتحَن فيها الطلاب اليوم هي مادة اللغة العربية، تمَّ اختيار زميل آخَر اسمه "فؤاد"، سوف يكون في نَفْس اللجنة التي فيها "مصباح"، وقد تعرَّف "مصباح" على "فؤاد" في غرفة مراقِب عام اللِّجان، اصطحب "فؤادٌ" "مصباحًا" إلى مكان الفصل الذي وَزَّعه عليه، حيث كان "مصباح" أوَّل مرَّة يلتقي فيها "بفؤاد"، دخلا الفصل والطلاب جالسون في أماكنهم طبقًا لأرقام جلوسهم المسلسلة؛ كل طالب في المقعد المخصَّص له.

فبدأ "فؤادٌ" يوزِّع أوراق الأسئلة وكرَّاسات الإجابة على الطلاب، بينما كان "مصباح" يقف في مقدِّمة الفصل يتكلَّم للطلاب، ويعْطِيهم التعليمات؛ يقول لهم: إن المدَّة الزمنية للاختبار هي ثلاث ساعات، ويذكِّرهم بكتابة بياناتهم على كراسات الإجابة قبل أن يبدؤوا في حل الأسئلة.

كان "مصباح" يقف أمام الطلاب وهو يرتدي على عينيه نظَّارة فخمة، لم يَشعر الطلاب بأنه كفيفٌ لا يراهم، بدأ الطلاَّب يقرؤون الأسئلة، وبدؤوا يَشْرَعون في الإجابة، أما "فؤاد" فبِمُجرَّد أن انتهى من توزيع الأوراق للطلاب جلس على كرسي في نهاية الفصل، وأغمض عينيه وراح في النوم، لدرجة أنه بعد خمس دقائق، ارتفع صوت شخيره، مما أزعج الطلاب جدًّا، وبدأ "مصباح" يسمع تمتمة الطلاب، فسألهم: يا أولاد، ما أخبار الامتحان؟

فرد عليه مجموعة منهم فقالوا: الامتحان طويل، الامتحان صعب، الامتحان غير مباشر.

مصباح: لا عليكم، اهدؤوا، اقرؤوا عليَّ الأسئلة بالترتيب، لكن بصوت منخفض؛ حتى لا يَسمعنا أحد خارج الفصل، أنا على استعداد لأن أحلَّ لكم الامتحان كاملاً؛ فأنا مدرِّس لغة عربية للثانوية العامَّة، لكن بشرط!

فسأله أحد الطلاب: ما هو شرطك يا أستاذ؟
مصباح: بأن تَجمَعوا من بعضكم كلَّ كتاب أو مذكِّرة أو أوراق تخصُّ مادة اللغة العربية، أو أي شيء تخبِّئونه في جيوبكم، وتضَعُوه كلَّه أمامي هنا على هذه الطاولة.

بدأَ الطلاب يُخْرِجون بعض ما خبَّؤوه، لكن على استحياء، لم يُخرجوا كل شيء؛ فهم لا يَثِقون في كلام هذا الأستاذ، ولسان حالهم يقول: هل معقول أن هذا الأستاذ سوف يحل لنا الامتحان؟!

 كيف يصبح المراقبَ والمساعِدَ على الغشِّ في آنٍ واحد؟!
بعدها قام أحد الطلاب الجالس على أحد المقاعد الأمامية يقرأ عليه السؤال الأول، وبمجرد أن أنهى الطالبُ السُّؤال، انطلق "مصباح" يُلقِي على الطلاب الإجابة، وهم يمسكون بأقلامهم يَكتبون ما يَخرج من فم "مصباح"، كأنَّهم في درْسٍ للإملاء، ثم قرَؤُوا عليه السؤال الذي يليه، وهو يجيب بشكل سَلِس، قبل أن تنتهي مدَّة الاختبار بأكثرَ من ساعة انتهى جميع الطلاب من الإجابة بشكل نموذجي جدًّا، و"فؤاد" ما يزال نائمًا كأهل الكهف، لم يشعر بأي شيء حدَث في الفصْل، ولم يسمع أيًّا من الإجابات التي ألقاها "مصباح" على الطلاب.

سأل أحد الطلاب مصباحًا: يا أستاذ، هل أنت مُدرِّس لغة عربية؟
مصباح: نعم أنا مُدرس لغة عربية.

فسأله آخَر: لماذا ترتدي هذه النظارة الشمسية السوداء وأنت داخل الفصل؟
فابتسم "مصباح" وارتفع حاجباه، وأخذ نفَسًا عميقًا، ثم قال: يا حبيبي، أنا كفيف.

فنَزَلَت الكلمة على الطلاب كالصاعقة: كفيف!
مصباح: نعم، كفيف.

الطلاب: كيف ذلك يا أستاذ؟ وتراقب في الامتحان؟!
مصباح: والله أنا متعجِّب أكثرَ منكم، فأنا أعتبر هذه أوَّل حالة يَحْدث فيها ذلك في تاريخ وزارة التربية والتعليم، صحيح أنَّ عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين كان كفيفًا، وبالرغم من ذلك كان وزيرًا للمعارف، لكنْ وزير؛ أيْ: مسؤول سياسي وتنظيمي للتعليم، ليس مراقبَ امتحان ثانوية عامة، وللأسف أصرَّت الإدارة التعليمية على عدم قبول اعتذاري عن المراقبة، وعلَّلوا ذلك بأنه لا يوجد ما يمنع الكفيف من المراقبة في الامتحانات.

فضحك الطلاب، وقالوا: الحمد لله أنهم رفضوا يا أستاذ؛ حتى نراك اليوم.
فقال لهم مصباح: لأني قمت بإجابة الامتحان بدلاً عنكم؟ عمومًا أنا سعيد أكثر منكم، أنتم الآن لن تَنسوني أبدًا طوال عمركم.

فرَدُّوا:طبعًا، أكيد يا أستاذ.
فسأله أحد الطلاب: لم نَعرِف اسمك يا أستاذ.
مصباح: اسمي مصباح.. كم الساعة الآن؟ كم بقي على انتهاء الامتحان؟

فرد أحدهم: يتبقَّى حوالي ثلث الساعة.
مصباح: تمام جدًّا، الآن أنتم جميعًا انتهيتم من الإجابات، أرجوكم أن تجمعوا كراسات الإجابة، بشكل مرتَّب، حسب أرقام جلوسكم وبشكل تنازلي، ثم ضَعُوها في هذا المِلَف، وهو ممسك بالملفِّ في يده ويشير به.

وبالفعل جمَع الطلاب كراسات الإجابة ورَتَّبوها كما قال لهم "مصباح"، ثم وضعوها في الملف.

فجْأة استيقظ الأستاذ "فؤاد" النائم منذ بداية مدَّة الامتحان، ووقف على الكرسي، ونظر حوله، فوجد أن جميع الطلاب ليس أمامهم كراسات الإجابة، فتوجَّه إلى حيث يجلس "مصباح"، وهو ينظر في ساعة يدِه فعلم أن الباقي من مدَّة الامتحان أقل من عشر دقائق، فسأل "مصباحًا" قائلاً: يا أستاذ مصباح، هل انتهى الطلاَّب من الاختبار، وجمعْتَ منهم كراسات الإجابة؟
فضحك مصباح وقال: حمدًا لله على سلامتك، نوم العافية يا رجل! أنت لم تنم منذ شهر؟!

فؤاد: والله يا أستاذ مصباح، لم أنم منذ يومين، زوجتي وضعَتْ منذ يومين وأنجبت ولدًا، وهو طوال الليل يبكي، ولا أستطيع النوم.

مصباح: ألف مبروك، يُرَبَّى في عزِّك إن شاء الله، جميع كراسات الإجابة في هذا الملف.

أمسَكَ "فؤادٌ" بالملف، وبدأ يعد كراسات الإجابة، وتأكَّد أنها صحيحة طبقًا لعدد الطلاب داخل تلك اللجنة، ومرتَّبة بشكل صحيح على حسب أرقام الجلوس، فقال: الله أكبر عليك يا أستاذ مصباح، والكرَّاسات مرتَّبة! كيف فعلْتَ ذلك؟!

فضحك مصباح وقال: قدرات خاصَّة.
دار الحديث بين "مصباح" و"فؤاد" وجميع الطلاب يستمعون إلى هذا الكلام، ولم يتكلم منهم أحد، ولم يحاولوا أن يعرِّفوا الأستاذ "فؤادًا" أيَّ شيء حدث أثناء نومه.

ثم رنَّ جرس المدرسة مُعْلِنًا انتهاء مدَّة الامتحان، وخرج الجميع من الفصل، جميع الطلاب في هذا الفصل يتحدَّثُون عن هذا الأستاذ "مصباح" الذي يرتدي النظارة السوداء.

الذي دفع "مصباحًا" إلى فعل ما فعَلَه مع هؤلاء الطلاب أثناء مدَّة الاختبار، هو أنه عَلِم من زملائه المراقبين قبل أن يبدأ الاختبار، أنَّ هذه المدرسة سوف يكون بها حالة تسَيُّب أثناء المراقبة؛ سوف يُسمَح بالغشِّ، بل وسوف تَدخل الإجابات مكتوبة لبعض الطلاب، عندما سأل عن سبب ذلك، أُخبر بأنَّ هناك مجموعةً من الطلاَّب الممتَحَنين بالمدرسة أولاد أعضاء بمجالس الشعب والشورى والمحلِّيات، وأولاد رجال أعمال ومال ونفُوذ، كما قال له أحد المدرِّسين: (مِن الآخِر) هذه اللجنة مباعة ومدفوع فيها الكثير، بالإضافة إلى تعليمات آتية من مديرية التربية والتعليم!

في صباح اليوم التالي (وهو اليوم الثاني في اختبارات الثانوية العامة):
قد وصل إلى أسماع المشرف العام على المراقبة (رئيس اللجنة) في هذه المدرسة، ما حدث من الأستاذ "مصباح"، في اختبار اللغة العربية، وذلك عن طريق اتصال هاتفي جرَى بينه وبين وَلِي أمر طالب من الذين كانوا في فصل الأستاذ "مصباح"، حيث كان ذلك ولِيّ الأمر رجلَ أعمال وواحدًا من أثرياء المحافظة، الذي وعَدَه بمكافأة كبيرة جدًّا بعد انتهاء الامتحانات إذا ظلَّ الأداء الرقابي داخل فصل ولَدِه بهذه الصورة، قد طلب منه أن يَثبت الأستاذ "مصباح" كمراقب لهذا الفصل إلى النهاية.

فعندما وصل الأستاذ "مصباح" المدرسة، دخَل إلى المشرف العام، وسلَّما على بعضهما بحرارة شديدة، فقال له: هل يمكن يا أستاذ مصباح أن أطلب منك طلبًا بسيطًا؟

تفضل يا أستاذنا، أنت تأمر.
تراقب اليوم أيضًا في نفس الفصل الذي كنت تراقب فيه أمس!

فضحك مصباح، والفرحة تغمر وجهه.
ما الذي يُضحِكك يا أستاذ مصباح؟ هل هناك شيء فيما قلتُه يُضحِك؟

أبدًا يا أستاذي العزيز، لكنِّي كنتُ سأطلب منك هذا الطلب، لكنك سبقتني وطلبْتَه أنت الأول، بكل سرور موافق.
واضح أنك إنسان متعاون جدًّا يا أستاذ مصباح، أنا سعيد جدًّا بالظروف التي جعَلَتْني أقابلك، إن شاء الله تكون معرفة خير.

كل ذلك و"مصباح" يقول بينه وبين نفسه: أي خيرٍ يا رجل؟ أنت مرتَشٍ وغشاش، فغدًا لناظره قريب.

وذهب "مصباحٌ" ووصل إلى الفصل، وعندما أطل بوجهه إلى الطلاب، قاموا جميعًا وسلَّمُوا عليه واحدًا واحدًا، وهم يشكرونه على ما فَعَله معهم أمس، ويقولون: سوف نحصل على الدرجة النهائية في اختبار اللغة العربية، فحتى لو كنا كتَبْنا من الأوراق التي كانت معنا فلن نحصل على الدرجة النهائية.

كان هناك عجْزٌ في عدد المراقبين في هذه المدرسة، مما يستدعي وجود مراقب واحد فقط في الفصل في معظم فصول المدرسة التي بها لجنة اختبار، لكن في اليوم الأول للاختبارات جعَلوا مع الأستاذ "مصباح" مراقبًا آخَر، عندما عرفوا أنه كفيف، ولكنهم يريدون جميع المراقبين الموجودين بالمدرسة غير مُبْصِرين؛ حتى يفعل الطلاب ما يحلوا لهم.

وقبل أن يبدأ وقت الاختبار بدقيقة واحدة، وجد "مصباحٌ" رئيس اللِّجان موجودًا معه بالفصل وهو يحمل ملفَّ أوراق الإجابة والأسئلة الخاصَّة بامتحان مادة التاريخ، وقال لمصباح: إني سوف أوزِّع أوراق الأسئلة وكراسات الإجابة على الطلاب، ثم أتركك معهم، وأنت في نهاية مدَّة الاختبار تجمع منهم كراسات الإجابة كما فعلْتَ بالأمس.

 فرد مصباح: يعني سوف أكون وحدي في الفصل اليوم؟
فقال له: اليوم وحتى نهاية الاختبارات، كما تعرف يا أستاذ مصباح، هنا عجز شديد في عدد المراقبين الذين تم تخصيصهم من قِبَل الإدارة التعليمية لهذه المدرسة، إضافةً إلى أنه لا بد في كلِّ يوم أن يغيب مراقب أو اثنين من المراقبين، فيَزِيد العجز، وإن شاء الله من اليوم فصاعدًا سوف تكون وحْدَك في الفصل؛ فأنت الخير والبركة، وكل اختبار سوف آتِي أنا بنفسي إليك بالأوراق والكراسات أوزِّعها على الطلاب في أول خمس دقائق، ثم أتركك وأذهب لأُباشر باقي الأعمال الإدارية الخاصَّة باللِّجان، الآن هل تريد مني شيئًا؟

مصباح: شكرًا أستاذي الفاضل، أراك بعد انتهاء الاختبار.
السلام عليكم.
وعليكم السلام.

مصباح: يا حبايبي الحلوين، أنتم تعرفون طبعًا ماذا ستفعلون اليوم؟
فردَّ واحدٌ منهم: اليوم يا أستاذ امتحان تاريخ، وحضرتك مدرِّس لغة عربية، فهل تستطيع أن تغشِّشنا مثل أمس في التاريخ أيضًا؟

فضحك مصباح وقال: بالطَّبع؛ فأنا من عُشَّاق التاريخ، ولا يوجد معلومة تاريخية إلاَّ وأعرفها، ولكن أوَّلاً كما فعَلْنا بالأمس تجمِّعون وتُخرجون كلَّ ما معكم.

بالفعل بدأ الطلاب في جَمْع كل شيء، وهم أكثر اطمئنانًا من أمس، ولم يتركوا معهم أي شيء على الإطلاق، على عكس ما فعلوه في اليوم الأول، فقد اختبروا الأستاذ "مصباحًا" في اللغة العربية ونجح، ولم يخيِّب ظنهم فيه، وعندما انتهوا من جمع ما بحوزتهم، طلب مصباحٌ منهم: أن يقوم أحدهم ويخرج من الفصل وينادي أيَّ عامل (فَرَّاش) يكون جالسًا بالممرِّ الذي يطل عليه هذا الفصل، وفعلاً جاءه العامل، فطلب منه "مصباح" أن يحمل جميع الأوراق والكُتب التي جمعها الطلاب ويذهب بها بعيدًا عن الفصل، فعندما رآها العامل قال:
الله أكبر.

فرد عليه مصباح: ما بك؟
يا أستاذ، أوراق وكتب كثيرة جدًّا! لحظة أذهب وآتي بكيس بلاستيكيٍّ كبير حتى أحمل هذه الكمية الكبيرة؛ حتَّى لا يقع مني شيء على الأرض، فذهب العامل.

فقال مصباح للطلاب: هيا ابدؤوا ولا تضيِّعوا الوقت، اكتبوا بياناتكم على كراسات الإجابة، وسطِّروا كراسة الإجابة، حتَّى يرجع هذا العامل ويَرفع هذه الأشياء - وهو يشير إلى ما جمَعوه - ثم نبدأ حلَّ الأسئلة.

رجع العامل بعد عدة دقائق ورفع هذه الأوراق والكتب، ونظَّفَ المكان تمامًا منها، وجميع الطلاب مبسوطين ومرتاحين لما يحدث؛ لأنَّهم سوف يأخذون الإجابات على أسئلة الامتحان بشكل نموذجي من رأس الأستاذ "مصباح" مباشرة، دون العناء في البحث عن الإجابة داخل الأوراق التي كانت معهم.

بدأ الطلاب يقرؤون على أسماع الأستاذ "مصباح" الأسئلة حتى يبدأ في إملائهم الإجابات، لكنَّه ظل ساكتًا، ظلَّ على هذه الحالة وقد جُنَّ جنونهم، بدؤوا يفقدون أعصابهم، فلا الأستاذ "مصباح" يتكلَّم ويُلقِي عليهم الإجابات التي وعَدَهم بها، ولا يوجد معهم حتى ولو ورقة صغيرة ليغشُّوا منها، وهم يقولون لبعضهم: "الأستاذ عمل فينا مقلبًا، الأستاذ عمل فيها أنه لا يسمع، الأستاذ أذُنٌ من طين وأذنٌ من عجين".

كل هذه العبارات يسمعها الأستاذ مصباح، لكنه لا يُبدِي لها أيَّ اهتمام، وهو يضحك من الداخل.

ظل الوضع على ما هو عليه، ومرَّت الدقائق، فالساعات، وهم لا يعرفون ماذا يفعلون؟ أوراقهم وكتبهم أُخِذت منهم، وقد حمَلَها الفَرَّاش وأخذها بعيدًا، رنَّ جرس المدرسة معلنًا عن انتهاء المدَّة، فجمعوا كراسات الإجابة الخاوية تمامًا من أيِّ إجابة، إلاَّ أنَّ بعض الطلاب قد نَقَلوا ما هو مكتوب في ورقة الأسئلة في كراسة الإجابة بدلاً من أن يسلموها فارغة تمامًا، ومنهم مَن كتَبَ بعض قصائد الحبِّ والغرام، ومنهم من كتب بعض كلمات الأغاني الشبابية الهابطة، لكنَّ هناك طالبًا واحدًا فقط هو الذي كتب كل ما حدث!

نعم، كل ما حدث في الفصل في اليوم الأول والثاني، ما فعله بهم ذلك الأستاذ الكفيف؛ لكي يَنتقم منه بعدما ضحك عليهم، ووعَدَهم بالغشِّ ولم يغشِّشهم.

في اليوم التالي (ثالث أيام اختبارات الثانوية العامة):
طلب الشيخ "مصباح" من رئيس اللِّجان، أن يوزِّعه اليوم وفي الأيام المتبقية من الاختبارات على فصول مختلفة، غير هذا الفصل الأول الذي قضَى فيه اليومين السابقين، بحيث يراقِب كلَّ يوم في فصل مختلف، وبالفعل سمع رئيس اللِّجان كلام الأستاذ "مصباح"، ولم يرفض له طلبه؛ حيث إنَّ سِرَّه لم يُفضَح حتى هذه اللحظة؛ لأنَّ الطلاب قد أشاعوا في الدنيا عن المدرس الأسطورة، وذلك المراقب الفَذِّ المغشِّش للطلاَّب، فلم يستطع أحد منهم أن يَرجع وينفي ما قاله، خاصة أنه كلام جماعي منهم كلهم، ولم يجْرُؤ أحد منهم أن يُحَدِّث أحدًا في بيته بما حدث لهم في اليوم الثاني للاختبار، فالأمر قد انتهى وهم أصبحوا راسبين جميعًا؛ لأنَّهم سيحصلون على درجة (صفر) بكل فخر في اختبار مادة التاريخ، فوجدوا جميعًا أنه لا داعي للكلام مع أهاليهم، وخاصة أنهم ما زالوا في بداية الاختبارات.

بالفعل وُزِّع الأستاذ "مصباح" لكي يراقب على فصل آخر، وعندما ذهب إلى هذا الفصل حدث منه نفس السيناريو الذي حدث مع الفصل الأول، خاصة وأن جميع الطلاب بالمدرسة مهيَّؤون نفسيًّا للتعامل مع هذا الأستاذ الكفيف، بسبب الكلام الكثير الذي سمعوه عنه، وخاصة أن زملاءهم حتى بعد امتحان التاريخ عندما سألوا: هل فعل معكم الأستاذ نفس ما فعله معكم في اللغة العربية، قالوا جميعًا: نعم، حدث بالضبط! ولم ينفوا!

وفي اليوم الرابع من الاختبارات:
عندما عَلِم طُلاَّب الفصل الأول، أنَّ الأستاذ مصباحًا قد راقب بالأمس على فصل غير فصلهم، اتَّفقوا على أن يقوموا بحملة واسعة وسط فصول لجان المدرسة، بأنَّ هذا الأستاذ عالم موسوعي، ويَعرف أي شيء في كلِّ شيء، فهو يُعلِّم جميع المواد الدراسية للثانوية العامة؛ وذلك حتى يؤكِّدوا ويهيِّؤوا باقي زملائهم للوقوع في هذا الفخ، وحتى يضمنوا أنَّهم لن يَرسبوا وحْدَهم، بل جميع فصول المدرسة، وقد تمَلَّك الشيطانُ من عقول هؤلاء الطلاب، وخاصة أنهم بعد أن وقَعُوا في مصيدة هذا الأستاذ، لم يَعُودوا يهتمُّون بما تبَقَّى من اختبارات؛ لأنَّهم راسِبون راسبون، فتوجَّه كلُّ اهتمامهم إلى كيف يقْنِعون باقي طلاَّب الفصول الأخرى بهذا الأستاذ؛ حتى يستسلموا له دون مجهود، ويسلِّموا أنفسهم له بمنتهى السهولة واليسر!

بالفعل، كان بمجرَّد أن يدخل الأستاذ "مصباح" الفصل الجديد في يوم اختبار جديد، كان لا يتكلَّم بشيء، فكان الطلاب يفعلون كلَّ ما يريد منهم بشكل أوتوماتيكي، دون أي مقاومة تُذكَر، وبخضوع شديد للغاية، وكان يقف في كل مرَّة أحدُ العمَّال ينتظر أن يحمل الأوراق والمذكِّرات والكتب ويبعدها عن الفصل الذي به الأستاذ مصباح.

الغريب والعجيب أنَّه في كل فصل يدخله مصباح ويفعل به ما يفعل، كان لا بدَّ وأن يكتب طالبٌ أو أكثر من هؤلاء الطلاب ما حدَث في اللجنة، كنوع من الإضرار بذلك المراقب الكفيف!

قد مرَّ الأستاذ "مصباح" ليراقب على جميع الفصول الموجودة في هذه المدرسة، بحيث لم يَسلَم أحد من الفخ الذي وضعه، لقد فعَلَ الأستاذ مصباح ما فعله؛ لكي ينتقم من تلك الشبكة القذرة التي ساعدت وسهَّلَت الغِشَّ داخل المدارس، ويقوم واحد وهو غير مُبْصِر بكشف هذه العصابة من الفاسدين، بقوَّة البصيرة - بعون الله وفضل منه.

انتهت أيام الاختبارات، كان رئيس اللجان يمدح الأستاذ "مصباحًا"، بل ويقول فيه شعرًا، من كثرة امتنانه له أصَرَّ في اليوم النهائي للاختبارات، أن يُوصل "مصباحًا" بنفسه إلى بيته بسيَّارته الخاصة؛ تعبيرًا له عن شكره العميق بما فعله معه ومع الطلاب طوال أيام الاختبارات التي قال عنها:  إنها أيَّام لن تُنسَى من ذاكرته، فهي من أجمل أيام عمره.

مصباح يرد عليه ولكن بدون كلام، يردُّ عليه بينه وبين نفسه، فعلاً أيام لن تَنسَاها، لكنها من أسْوَأِ أيَّام عمرك، (يا خبرًا اليوم بفلوس غدًا سوف يصبح مجانًا)!

كانت كراسات الإجابات لطلاب هذه المدرسة، تذهب كأمثالِها من المدارس الأخرى، إلى كنترول التصحيح ورَصْد الدرجات في القِطَاع الذي يشمل خمس محافظات، وكان المصحِّحون من جميع تلك المحافظات، فلمَّا وجَد مُصَحِّحو المواد الدراسية المختلفة كراسة إجابة أو أكثر، مكتوبًا فيها قصَّة وحكاية هذا المراقب الكفيف، أمَرَ المدير العام والمشرف على امتحانات الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، بعد أن أَخْبر وكيل أول وزارة التربية والتعليم، والذي أَطلع السيد وزير التعليم على الأمر - بفتْح تحقيق سرِّي عن تلك المدرسة، وجَمْع جميع كراسات الإجابة في المواد المختلفة، وفحْص ما كُتب فيها بخصوص المراقبة وسَيْر العمل داخل لِجَان تلك المدرسة، ومرَّت أيام التصحيح، ولم يعرف أحد ماذا حدث؟! إلاَّ الأستاذ "مصباحًا" نفْسه، والطلاَّب الساكتين الصامتين الغشاشين!

إلى أن جاء يوم إعلان نتيجة أوائل الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، واجتمعت جميع وسائل الإعلام المرئيَّة والمسموعة والمكتوبة في مصْر، في ديوان وزارة التربية والتعليم في انتظار المؤتمر الصحفي الذي سوف يعْلِن فيه الوزير بنفسه عن أسماء العشرة الأوائل في كلِّ قسم من أقسام الثانوية العامة.

في بداية حديثه في المؤتمر نوَّه على أنَّ هناك موضوعًا كبيرًا، وفضيحة أكبَر، حدثت أثناء سير امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، لكنه طلب من الصحفيِّين تأجيل الحديث عنها إلى أن ينتهي من إعلان أسماء الأوائل، فالأَوْلى أن يتحدَّث بالشيء المفْرِح، ثم يختم بالشيء المخيِّب للآمال.

بالفعل سار المؤتمر الصحفي كما كان مخطَّطًا له، بدأ يحكي قصَّة أستاذ اللغة العربية الكفيف، الذي أصبح مراقبًا لاختبارات الثانوية العامة في مدرسة بها طلاب أولادُ (ناسٍ مهمِّين) كما يقولون، وسرَدَ بالتفصيل ما جرى داخل فصول هذه المدرسة، وما توصَّلَت إليه التحقيقات، ثمَّ أعلن أنَّ الوزارة قرَّرت الآتي:
أولاً: بخصوص نتيجة طلاب هذه المدرسة: لم ينجح أحد!

ثانيًا: صرف مكافأة مقدارها عشرون ألف جنيه للأستاذ مصباح محمد مصباح إبراهيم، مع منْحه وسام المعلِّم المثالي لهذا العام على مستوى الجمهورية، وإعفاؤه من المراقبة على أيِّ امتحانات أو اختبارات تَحْدث طوال حياته الوظيفية.

ثالثًا: قد تم إيقاف رئيس لجان الامتحانات على هذه المدرسة عن العمل، لحِين انتهاء التحقيقات معه في النيابة العامَّة؛ لأخْذه رشاوى من أولياء أمور الطلاب.

بقلم
الأديب/ محمود سلامة الهايشة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كافوزال Cafosal لتنشيط التمثيل الغذائي – حقن للاستعمال البيطري

راكومين..غلة وجبة شهية لقتل الفئران