الدكتور أحمد الزلوعي يكتب: في ذكرى الشيخ الشعراوى .. الأممُ تصنـــعُ قديسيـها

الدكتور أحمد الزلوعي يكتب: في ذكرى الشيخ الشعراوى .. الأممُ تصنـــعُ قديسيـها



كان سطوع نجم الشيخ الشعراوى ظاهرة فارقة لم تستوف حقها من الدرس حتى اليوم. لقد تصاعد التيار السلفى فى مصر وغيرها منذ السبعينات مع تضخم عوائد البترول و تنامى دور الخليج إقليما وعالميا فكيف تأتى لأزهرى صوفى فى عنفوان المد السلفى أن يتسيد ساحة الدعوة الدينية فى مصر تقريبا ؟ وكيف استحوذ على قلوب الجماهير بشكل لم يتح لغيره طوال الستين عاما الاخيرة؟ نقارب معالم الشيخ الظاهرة على نحو راصد كما يلى
أولا .. اختار الشيخ تفسير القرآن مجالا لنشاطه وهو مجال يختلف عن الوعظ التقليدى الذى يسم خطب الجمعة ومواعظ المساجد ودروس الدعاة التى انتشرت عبر الكاسيت بدءا من السبعينيات . اتسم الخطاب الدعوى على اختلاف تياراته بالنبرة الخطابية الزاعقة, وتخصيص الخطبة أو الدرس لموضوع واحد يتمحور حوله الحديث بشكل تعليمى فوقى, فيما انفرد الشعراوى بمجال لم يكن يُعتقد أن يحوز شعبية وهو مجال التفسير لأنه ظل حكرا على المتخصصين الذين يتلقونه بشكل دراسى ممنهج؛ ولكن الشيخ ابتكر طريقته المشتهرة فى التفسير التى كان لها أكبر الأثر فى شعبيته والتى تتميز بما يلى
1-
مزجه العامية المصرية بالفصحى مع تغليب دور العامية فى الخطاب
2-
استفادته من مجال تخصصه الاصلى وهو اللغة والبلاغة
3-
تتنوع الموضوعات لزوما تبعا للآيات ولذا لا تقتصر الحلقة على موضوع واحد
4-
ملكات التواصل عند الشيخ وأهمها الاداء الصوتى و تنويعه و لغة الجسد المعبرة والقدرة على ضرب الأمثلة القريبة من ذهن المتلقى الشعبى وغير ذلك
5-
لهجة الشيخ الريفية التى لم يغيرها والتى اختصرت المسافات بينه و بين جماهير كبيرة
6-
تزيا الشيخ بزى أقرب إلى الزى المصرى المعتاد بعيدا عن الكاكولا الازهرية والدشداشة الخليجية .. فلبس الجلباب البلدى ذى الكم الواسع حينا والاسكندرانى ذى الأساور احيانا وطاقية عادية قريبة من طواقى المصريين فى الارياف وإن كان ذكر انه أخذها من الجزائريين إبان فترة عمله هناك
ثانيا .. شاعت صورة الشيخ الشعراوى عازفا عن العمل بالسياسة وشاعت قصص استقالته من منصب وزير الاوقاف الذى قضى فيه حوالى عامين كما يشاع انه رفض تقلد مشيخة الأزهر, ولما لم يكن خطاب الشيخ وعظيا مباشرا كما بينا فقد أتاح له ذلك التحلل من التقاطع مع الأنظمة الحاكمة المتوالية فى أغلب الاحيان, وهى الصورة التى يطلبها الوعى الشعبى فى قادته الدينيين ؛ لكن - وفى ذات الوقت - كان الخطاب العام للشيخ غير مرفوض من الانظمة لأنه بعيد عما يهدد الكراسى ولا يكرس لحالة احتقان ضد المظالم والفساد وقد ادى الرضا الحكومى عن الشيخ إلى فتح أبواب الاعلام أمامه على مصاريعها كنوع من البرهنة على عدم عداء النظم للدين, وترويج للون الذى لا ضرر منه عليها
ثالثا .. طعم الشيخ دروسه الكثيرة بروح صوفية تلاقت وذائقة الملايين ولم تتضارب فى معظم الاحيان مع خطاب التيارات الدينية الاخرى لمهارة الشيخ فى تقديم رؤاه الصوفية فى ثوب شرعى قدر الامكان.
وشيئا فشيئا تجمعت صورة الشيخ الأسطورية من مربعات أصغر منها ما يمثل صورة مقرب البعيد؛ وأى تقريب أكثر من فتح الآيات القرآنية أمام الفهم الشعبى الذى لطالما طرب لها متلوة على ألسنة محمد رفعت ومصطفى اسماعيل وعبد الباسط وغيرهم؛ لكنه كان طربا موسيقيا دينيا أما الشيخ فقد استطاع انتزاع الطرب من ذات الجمهور على ذات الآيات ولكنه لم يكن طربا موسيقيا هذه المرة. وفى مربع آخر صغير من الصورة نجد الشيخ الذى يزهد الدنيا ويترفع عن المناصب وهى صورة قرت فى أذهان مريديه بشكل أو بآخر, وفى مربع فارق نجد صورة الشيخ القادر على الحديث فى شتى المناحى وهى صورة كان يعتنى الشيخ نفسه بتكريسها كثيرا, وفى مربع آخر نجد صورة للشيخ بالغة الأهمية وهى صورة المصرى الذى يرتدى ثوب المصرى و يتحدث بلهجته و يومىء بإشاراته ويتماهى مع طريقته فى الرؤية والموازنة فكان تلقائيا رفع صوره فى المحلات التجارية والسرادقات وعلى زجاج السيارات .. إنه الشعب يصطنع قديسه على عينه فيرفع صوره أيقونات إجلال وبركة على الجدران بعدما سبق وطبعها فى القلوب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كافوزال Cafosal لتنشيط التمثيل الغذائي – حقن للاستعمال البيطري

راكومين..غلة وجبة شهية لقتل الفئران