رؤية تحليلية لقصيدة * أغنية الجمال * للشاعر / عبد الكريم اللامي .. بقلم جلال أمين


رؤية تحليلة لقصيدة * أغنية الجمال *
للشاعر الأستاذ / عبد الكريم اللامي
-----------------------------------

بالرغم أني أكتب أشعاري بالعامية المصرية لكن عندما وقع بصري على تلك القصيدة آثرت أن أكتب وجهة نظري كمتذوق للحرف فأنا لست ناقدا وماكتبته كان من واقع القراءة المتأنية والمعايشة للقصيدة , لقد أجلستني تلك القصيدة على شاطيء الخيال ورحلت بي إلى حدائق بابل كي أشاهد شقائق النعمان وأسبح في نهر دجلة وأرشف شهد نهر الفرات وأتذوق تمر البصرة .
الشاعر عبد الكريم اللامي من الشعراء القلائل الذين يكتبون في مجال رومانسية الذات وذاتية الرومانسية , يتمتع الشاعر بخيال خصب وقلم ساحر وأوراق نُسجت من خيوط النور فحروفه تأخذنا لعوالم الشعر الخفية وتجعلنا نسبح في بحار العشق لا نهاب ولا نخشى رياح الآلم وأمواج الشجن لأننا حين نُبحر في محيطات الإبداع بين قصائدة تحملنا حروفه فوق سُفن الشوق فلا ننتظر العودة إلى حياة البشر , وفي قصيدة * أغنية الجمال *  خير دليل على رؤيتي هذه , شتان بين من يكتبون الشعر لقدرتهم على نظمه وصياغته وبين من يرسم الحروف ويطرزها بالجواهر ليرسم لنا لوحات خيالية ترتدي ثوب الجمال الأبدي , فالشاعر عبد الكريم اللامي جواهرجي خبير بفنون الشعر ويجيد وزن القصائد على ميزان الذهب ويزخرفها بقلمه الساحر المغموس في محبرة البلاغة فتخرج لنا الحروف تتهادى كالغزلان في تية ودلال تحمل فوق جبينها تاج التميز وقلادة الجودة لأنها صُنعت بأنامل ماسية . إن قصيدة * أغنية الجمال * ليست بمثابة قصيدة شعرية أو أبيات جادت بها قريحة شاعر محترف , إنما هى أقحوانة نبتت في بستان دوحة الشعراء عبد الكريم اللامي وفاح أريجها وتناثر عطرها حتى لامس رئة النسيم واستقر عند أطراف المساء فجعل البدر يُرسل أنواره كي تتوضأ من كوثر الجمال ونبع الخيال الذاخر ويتدثر ببُردة دوحة الشعراء ويزين سماء العُشاق بالصورالشعرية الممشوقة القوام الرشيقة الخُطى وعناقيد الزهور المتدلية من أغصان القلب النابض بالمحبة .
قصيدة ** أغنية الجمال ** ربما يراها المتدبر لحروفها أنها خاصة من فرط مابين طيات سطورها من حس مرهف والصورالمنبثقة من خمائل المحبة , فالقصيدة غزلية من العيار الثقيل ومدلولها على وجهة العموم تارة وتارة آخرى على وجة الخصوص وتلك ازدواجية مبهرة وشمولية في توظيف النص والفكرة والمضمون .
..............................
** جمال عينيك أنغامٌ على وترِ
ولحنُ ثغركِ عنقودٌ من الدُرَرِ **
براعة استهلال لن تجدها إلا عند فطاحل الشعراء , دائما أقول أن البساطة روح الجمال ولكن هنا أقول أن الجمال لبس أوج حلتة ومضى يتمايل  في خيلاء وخلفه موكب من موسيقى الشعر وشاعرية الموسيقى المعزوفة بأنامل الشاعر البارعة .
** أيا سناءً أعاد الروح بهجتها
مطلّةٌ انت في ليلي كما القمرِ**
غزلُ عفيف ووصف دقيق لمعشوقته المرابطة داخل أروقة كيانه العاشق واعتراف منه بفضلها في غرس البهجة والسرور بين أنفاس الروح فجعلت مهجته تسبح في نهر السعادة فأصبحت في حياته بدر التمام وطاقة النور بين الأحداق .
** فإن اتانا ضياءُ الفجر نقبلَهُ
وإن نأى..ليس نئسى انت في الاثرِ **
صوفية عميقة تدل على الرضا والقناعة فإن تدلت خيوط الفجر وجادت ببعض الضياء تقبل الأمر وإن تماهى نور الفجر بين أدراج الظلام استعاض بما لديه من آثر جميل من أنوار ملامحها وعاش على ذكراها حتى تعود وتكحل جفون الصبح بوميض بريقها الآخاذ .
** فمنهلُ الحسن في أحداق فاتنةٍ
كمطلعِ الفجر في ساحاتِ منتصرِ **
لم ينسى الشاعر أنه من بلاد الرافدين وأنه من أحفاد الفرسان العظماء ولم يغيب عن مخيلته أنه تربى على قصائد عباقرة وأمراء الشعر العربي أمثال عنترة وطرفة ابن العبد والمتنبي فجادت قريحته ببيت من الشعر يعادل دواوين ويكفيه فخرا  هذا البيت الذي اشتمل على بهاء الوصف وروعة التوظيف ولقد ظهرت عنترية الشاعر ورومانسيتة حين وصف أحداق معشوقته بأنها منهل الحُسن وكلما وشم عينيه بجمالها استنشق عبق العزة وانتشى من الزهو والفخر كالمنتصر حين يقف في ساحة  المعركة وقت ولادة الفجر وقد حقق مايريد وما يصبو إليه .
** وما إليك نضيرٌ انتقيه وإن
بالجمعِ جاءت نساءُ البدو والحضرِ **
عنفوان العشق الممزوج بالاحساس الروحي فالشاعر جعل معشوقته ملكة على عرش قلبه ولايوجد لها مثيل بين النساء فصارت عنده كل الحياة .
** على شواطئ سحر الكون ساكنةٌ
جمالُ روحك يُبْقي بهجةَ الخُضَرِ **
صورة شعرية رائعة مستوحاة من نبع الجمال بها دلالة على التآثير الحسي لروح معشوقته على عالمه الخاص والطبيعة بكافة عناصرها وما أروع أن نجد هذا الخط البياني المتوازي بين قريحة الشاعر وانعكاس سحر الأشياء حين يشاغله طيف معشوقته .
** وما لعينيك في الأمصارِ من شبهٍ
تلئلآ كنجومٍ ساعة السّحرِ **
العاشق المتيم يبحث عن الشيء الفريد الذي يميز معشوقته عن غيرها وهنا نجد الشاعر يتغزل ويتفنن في وصف العيون التي كانت سبب في عشقه ويثبت نظرية الاكتفاء الذاتي والقناعة بما لديه من فيض أنوارها فتلك العيون تكفيه عمن سواها ولايرى لها نظير في سائر البلدان , إن الرؤية البصرية للشاعر هنا نابعة من التوافق الروحي بينه وبين معشوقته التي جعلته في المصاف الأول للعشاق بفضل تآثيرها عليه .
** فنجمةٌ انت في العلياء سابحةٌ
رمنا لها الوصل لكن رومَ منتحرِ **
صعوبة السعي للوصول رغم أنه يشتهي الوصل مع علمه بأن بُعد المسافة بينهما مقداره كبير فلم يجد إلا وصف هذا السعي بـ ( روم منتحر ) للدلالة على قوة عاطفته .
** فإن قُتِلْتُ شهيداً فيك أحسبني
وتلك احسَبُها لي ساعة الظّفَرِ **
هذا البيت خير برهان على صدق المشاعر والتفاني في العشق حيث أنه تمنى أن تكون نهايته في رحابها وتلك الأمنية أغلى ما يظفر به في حياته العاطفية .
** وشجوةٌ انت شادِ الصبح غرّدها
لينعمَ الخلق في معزوفة القدرِ **
موسيقى شجية ونبض وتر رنان وتفاخر بمعشوقته التي ليس لها بين النساء مثيل .
** فما تظاهر في الوديانِ من زهرٍ
الّا وكنت رحيق الورد و الثَمَرِ **
العطر المتناثر من نسمات الحروف فاح أريجه فأستنشقته أوراق الورد والثمار لأن هذا العطر نابع من أنفاس معشوقته , ما أجمل وأروع تلك الصورة الشعرية .
** تعانق اللحن في الاوصال ذروتهُ
فسابقَ الحسنُ طيف الشمس والقَمرِ **
ارتياحية المتلقي للوصف البياني لملامح الحبيبة تكاد تجعله يرسم صورتها من آثر تلك الحروف المبهرة , الشاعر أثنى عليها بما تستحق حسبما رؤيته لها .
** فحين رمتِ فضاء الكون ظاهرةً
راح الفتون إلى خديك في سفرِ
تظاهر الضد في الآفاق مؤتلقاً
والحسنُ جمرٌ غدى في طائلِ النظرِ
فما لبورِ سعيدٍ من مخيلةٍ
بأنّ فيهِا فتاةٌ أجمل البشرِ **
سلسلة متواصلة من الدرر الإبداعية واللوحات الجمالية رسمها الشاعر بعبقريته الفذة وريشته الساحرة وتغنى بها على أوتار الحنين واللهفة .
** غنى الربيع إلى أزهار طلعتها
وبادلَ الصيف في ألالحانِ والصورِ
فالبحر أعلن بالاعصارِ غايتَهُ
أفاضَ عشقهُ بألاعصار من ضجرِ
وقال يطلبُ من عينيك زرقتها
زراقُ عينيك عذبُ الشهدِ للفِكَرِ
ولحن فكرك مرساةٌ موانئها
ماكان في الأجر يعطى ليلةٍ القدرِ **
تلك الأبيات تعادل معلقة في معانيها وتذكرنا بفطاحل الشعر العربي وعمالقة اللغة وأساطير البلاغة على مر العصور , من وجهة نظري أن الشاعر يمتلك كل أدوات الفنون فهو يصول ويجول بين مراتع الحُسن فيرسم ويكتب ويعزف ويعرف وجهة قلمه , حقاً تستحق لقب * دوحة الشعراء *
** أيا نسيماً كخمرٍ زار معبدَنا
لم ندرِ إنّا قطعنا الشفعَ بالوترِ
وراهباً لجلال الله منقطعاً
لمّا رآك سلى واشتاق للسَمَرِ
كأن عينيك آياتٌ يرتلها
شيخ المدينة بالتوراةِ والزبرِ **
ختام يطوف بنا في محراب الصوفية لتتأمل عقولنا ارتباط العشق الطاهر بالأرواح النقية , في هذا الختام نضجت سنابل الحروف وأثمرت تلك القصيدة الغزلية وعزفت أغنية الجمال على قيثارة الشوق , قصيدة وُشمت معانيها على جداريات الأرواح المتلهفة للعشق ورُتلت أبياتها على مسامع العشاق وجعلتنا نحلق في سماء الخيال نمتطي بساط السحر , الشعر حالة صادقة وتجربة حياتية تنعكس على أرض الواقع وتترجمها الأقلام والحروف على الأوراق وهكذا فعل الشاعر فآتت تلك القصيدة البديعة والمعبرة عن حال الكثير منا ,
تحية حب وتقدير  لشاعرنا المبدع والفنان الجميل الشاعر الأستاذ عبد الكريم اللامي * دوحة الشعراء *
مع تحيات / جلال أمين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

راكومين..غلة وجبة شهية لقتل الفئران

كافوزال Cafosal لتنشيط التمثيل الغذائي – حقن للاستعمال البيطري