ماهى حدود رقابة القضاء على القرارات الادارية التي لها قوة القانون؟؛ وماهى القرارات التي لها قوة القانون في قضاء مجلس الدولة ودوره فى حماية حقوق العاملين بالجامعات؟؛ وما هو دور القضاء الإداري في حماية حقوق العاملين؟؛ علما بوجود قانون تنظيم الجامعات رقم ٤٩ لسنه ١٩٧٢


ماهى حدود رقابة القضاء على القرارات الادارية التي لها قوة القانون؟
وماهى القرارات التي لها قوة القانون في قضاء مجلس الدولة ودوره فى حماية حقوق العاملين بالجامعات؟
وما هو دور القضاء الإداري في حماية حقوق العاملين؟
علما بوجود قانون تنظيم الجامعات رقم ٤٩ لسنه ١٩٧٢


كتب: أيمن محمد عبداللطيف:

ان وجود رقابة قضائية على مشروعية تصرفات الإدارة يمثل ضمانه مهمة من ضمانات حقوق الافراد فى عملهم لما في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون ، والقاضي هو مفتاح الالتزام بسيادة القانون ويتوقف عليه احترامه بمعناه الواسع الذي يتجاوز التقيد المجرد بالنصوص الى احترام مضمون القانون من حيث وجوب حمايته لحقوق الانسان . فاذا عجز القانون عن توفير الحماية لم يصبح جديرا بان تكون له السيادة .

لذلك يجب ان يكفل النظام القضائي في الدولة سيادة القانون القائمة على احترام حقوق الانسان فيما يوفره من عناصر تتمثل في تكوين جهات التقاضي واختيار القضاة وضمان استقلالهم وحيادهم .
وقد اقتضت وظيفة النظام القضائي تلك ايجاد قضاء يعمل على ضمان احترام الحقوق والحريات في التشريعات الداخلية من خلال الرقابة على اعمال الادارة وضمان مشروعية تصرفاتها ، اذ ان وجود الادارة طرفا في علاقة قانونية مع الافراد ، بما تتمتع به سلطة وامتيازات كثيرة ، يؤدي في كثير من الاحيان الى ارتكاب الادارة بعض الاخطاء عندما تصدر قراراتها دون رويه او على عجل ، كما قد يحدث ان تتجاهل الادارة بعض القواعد القانونية التي سنها المشرع حفاظا على مصلحة الافراد .
ولما كانت الادارة في اتصال مستمر مع الافراد فقد تؤدي هذه الاخطاء الى الضرار بهم والاعتداء على حقوقهم ، ومن مقتضيات العدالة ومقوماتها ان تخضع الادارة لحكم القانون وان تكون كلمة القانون هي العليا ، ولابد لذلك من تنظيم رقابة قضائية على اعمال الادارة تضمن سيادة حكم القانون .

يقول الاستاذ عبد الرزاق السنهوري في هذا المعنى ( ان من كان مظلوما وكان خصمه قويا كالاداره فلابد له من ملاذ يلوذ به ويتقدم اليه بشكواه ولاشيء اكرم للادارة واحفظ لمكانتها من ان تنزل مع خصمها الى ساحة القضاء تنصفه او تنتصف منه وذلك ادنى الى الحق والعدل وابقى للهيبة والاحترام ) .

القضاء والرقابة على اعمال الادارة
حتى تكتمل عناصر الدولة القانونية لابد من وجود تنظيم للرقابة القضائية على مختلف السلطات فيها . وتعد رقابة القضاء على اعمال الادارة اهم واجدى صور الرقابة واكثرها ضمانا لحقوق الافراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد .
ففي ظل القضاء العادل تحترم الحريات وتصان الحقوق وبغياب القضاء العادل المستقل النزيه تهدر الحقوق وتنتهك الحرمات . ومن مقتضيات العدل ان تخضع الدولة بهيئاتها وافرادها جميعهم لاحكام القانون ولاتخرج عن حدوده .


اولا : صور الرقابة القضائية على اعمال الادارة
استقر التنظيم القضائي في اغلب الدول على وجود نوعين من الرقابة القضائية على اعمال الادارة لايميز النوع الاول بين الافراد والادارة في مراقبة تصرفاتهم ويخضعهم الى نظام قضائي واحد هو القضاء العادي، ويسمى نظام القضاء الموحد .اما الثاني فيسمى نظام القضاء المزدوج . ويتم فية التمييزبين منازعات الافراد ويختص بها القضاء العادي والمنازعات الادارية وتخضع لقضاء متخصص هو القضاء الاداري.

اولاً : نظام القضاء الموحد .
يسود هذا النظام في انكلترا والولايات المتحده الامريكية وبعض الدول الاخرى , ومقتضاه ان تختص جهة قضائية واحده بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الافراد أنفسهم أو بينهم وبين الادارة أو بين الهيئات الادارية ذاتها .
وهذا النظام يتميز بانه اكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية اذ يخضع الافراد والادارة الى قانون واحد مما لايسمح بمنح الادارة أي امتيازات في مواجهة الافراد . بالإضافة الى اليسر في إجراءات التقاضي اذا ما قورنت باسلوب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء العادي والإداري في نظام القضاء المزدوج .

ومع ذالك فقد وجه النقد الى هذا النظام من حيث انه يقضي على الاستقلال الواجب توفره للادارة بتوجية الاوامر اليها مما يعيق أدائها لاعمالها , مما يدفع الإدارة الى استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها ,ولايخفى مالهذا من اضرار بحقوق الافراد وحرياتهم .
ومن جانب اخر فأن نظام القضاء الموحد يؤدي الى تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية للموظفين مما يدفع الى الخشية من اداء عملهم بالوجه المطلوب خوفاً من المساءله, واذا ماقرر القضاء تضمين الموظفين بناء على هذا المبدا فانه يحرم المضرورين من اقتضاء التعويض المناسب لضعف امكانية الموظف المالية غالباً .

ثانياً : نظام القضاء المزدوج .
يقوم هذا النظام على اساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين , جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد أو بينهم وبين الادارة عندما تتصرف كشخص من أشخاص القانون الخاص , ويطبق القضاء على هذا النزاع احكام القانون الخاص .
وجهة القضاء الاداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشاء بين الافراد والادارة عندما تظهر الاخيرة بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الافراد ويطبق القضاء الاداري على المنازعة قواعد القانون العام .
وتعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر هذا النظام في الكثير من الدول كاليونان ومصر والعراق , لما يتمتع به من خصائص مهمة , فالقضاء الاداري قضاء انشائي يسهم في خلق قواعد القانون العام المتميزة عن القواعد العادية في ظل القانون الخاص والتي يمكن من خلالها تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الافراد وحرياتهم .

ثانيا : اهمية وجود القضاء الاداري
من المهم تقرير خضوع قرارات الادارة وتصرفاتها كافة لرقابة القضاء ضماناً لاحترام حريات الافراد بصرف النظر عن كون هذا القضاء عاديا ام اداريا , لكن القضاء الاداري يتمتع بخصوصية تجعله اكثر كفاية في هذا المجال .


اولاً : ظهور القضاء الاداري
تعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى الدول الاخرى وكان ظهور هذا النظام نتيجة للافكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 التي تقوم على اساس مبدأ الفصل بين السلطات ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الادارية للحفاظ على استقلال الادارة تجاه السلطة القضائية .
وتأكيداً لهذا الاتجاه اصدر رجال الثورة الفرنسية قانون 16-24 آب عام 1790 نص على الغاء المحاكم القضائية التي كانت تسمى بالبرلمانات وانشأ ما يسمى بالادارة القاضية او الوزير القاضي كمرحلة اولى قبل انشاء مجلس الدولة الفرنسي . وفي هذه المرحلة كان على الافراد اللجوء الى الادارة نفسها للتظلم اليها وتقديم الشكوى , فكانت الادارة هي الخصم والحكم في الوقت ذاته , وكان هذا الامر مقبولاً الى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء (( البرلمانات )) التعسفية .
وبنشوء مجلس الدولة في 12 / 12 / 1799 في عهد نابليون وضعت اللبنة الاولى للقضاء الاداري الفرنسي وكان اختصاصه استشارياً اول الامر , وبتاريخ 24 / 5 / 1872 منح المجلس اختصاصاً قضائياً باتاً .
ومنذ ذلك الوقت تمتع القضاء الاداري بالكثير من الاستقلال والخصوصية تناسب وظيفته في الفصل بالمنازعات الادارية وانشاء قواعد القانون الاداري المتميزة اصلاً عن قواعد القانون الخاص . ومن فرنسا انتشر النظام القضائي المزدوج في كثير من الدول ومنها مصر في عام 1946 والعراق عام 1989 .

ثانياً : خصوصية القضاء الاداري
ان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال الادارة يمثل ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الافراد في مواجهة تعسف الادارة ويؤدي بالادارة الى التأني والحذر في تصرفاتها لتتأكد من مطابقتها للقانون , وقد حمل القضاء الاداري على كاهله هذه المه
تملك الإدارة امتيازات السلطة العامة، ومن أهم مظاهر هذه الامتيازات، إقدام الإدارة على استخدام سلطتها في أن تفرض بإرادتها المنفردة قرارات تُرتب لهل حقوقاً والتزامات في مواجهة الغير، دون حاجةٍ إلى الحصول على رضائهم أو موافقتهم، فهذه السلطة في التصرف الإداري من جانبٍ واحد، تُعتبر من أهم مظاهر السلطة العامة للإدارة، وتُعدُّ أحد الفوارق الجوهرية بيت أساليب النشاط أو التصرفات القانونية في مجال القانونين العام والخاص.
فالأصل العام أن الإرادة المنفردة لا ترتب آثاراً إلا في حق من أصدرها، ومن ثم يُعد العقد هو الصورة الأساسية التصرفات القانونية الإرادية في مجال القانون الخاص.
أما في مجال القانون العام فإن المظهر الجلي والواضح من مظاهر امتيازات السلطة العامة هو منح الإدارة إصدار القرارات الإدارية التي لها قوة مُلزمة قانوناً، بإرادتها المنفردة، لدرجة أن مجلس الدولة الفرنسي اعتبرها القاعدة الرئيسية للقانون العام.
وتُشكل دراسة القرار الإداري أهمية مميزة، من جهتين، من حيث أن القرارات الإدارية تُشكل أحد أركان ودعائم القانون الإداري، وتُعد من أنجح الوسائل في ممارسة الإدارة لنشاطها.
كما انه من جهةٍ أخرى تُشكل القرارات الإدارية مجالاً رحباً لممارسة الرقابة القضائية على أعمل الإدارة، بل كانت وما تزال القرارات الإدارية تُشكل محوراً لمعظم المنازعات والقضايا المعروضة على القضاء الإداري، وتُعتبر مصدراً ثرياً وغنياً لاجتهادات القضاء الإداري.والإشكال :ما فحوى القرار الإداري؟ وما هي أنواعه؟وما مدى تأثير أركانه على مشروعية القرار؟ ونقوم باستفاضه ماتم ذكره ...


تعريف القرار الادارى :
اختلف الفقه الإداري في إعطاء تعريف للقرار الإداري، ولكن هذا الاختلاف لا يعدو كونه في إطار الجزئيات، أما ما يتعلق بجوهر ماهية القرار الإداري فإنه لا يبدو أن هناك اختلاف بين الفقهاء.
فيُعرف العميد هوريو القرار الإداري بأنه" تصريحٌ وحيد الطرف عن الإرادة صادرٌ عن سلطة إدارية مختصة بصيغة النفاذ بقصد إحداث أثر قانوني" بينما يُعرفه الأستاذ فالين بأنه كل عمل حقوقي وحيد الطرف صادر عن رجل الإدارة المختص، وقابلٌ بحد ذاته أن يُحدث آثاراً قانونية

(وفى القضاء) :

التعريف القضائي استقر القضاء الإداري لفترةٍ طويلة على اعتماد تعريف القرار الإداري.
بأنه إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة في المجتمع معينين بصفاتهم لا بدواتهم

خصائص القرار الإداري

ويتضح من التعريف السابق أن هناك عدة شروط يجب توافرها لنكون أمام قرار إداري وهي :
* أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية .
* أن يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة .
* ترتيب القرار لأثار قانونية .

أولاً : أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية :
يشترط في القرار الإداري أن يصدر من سلطة إدارية وطنية سواء أكانت داخل حدود الدولة أو خارجها من دون النظر إلى مركزية السلطة أو عدم مركزيتها ، ولنكون أمام قرار إداري ينبغي أن يصدر هذا القرار من شخص عام له الصفة الإدارية وقت إصداره ولا عبرة بتغير صفته بعد ذلك وهو ما يميز القرار الإداري عن الأعمال التشريعية والقضائية(1) .

ثانياً : صدور القرار بالإدارة المنفردة للإدارة:
يجب أن يصدر القرار من جانب الإدارة وحدها , وهو ما يميز القرار الإداري عن العقد الإداري الذي يصدر باتفاق أرادتين سواء أكانت هاتين الإرادتين لشخصين من أشخاص القانون العام أو كان أحدها لشخص من أشخاص القانون الخاص .

والقول بضرورة أن يكون العمل الإداري صادراً من جانب الإدارة وحدها ليكتسب صفة القرار الإداري لا يعني أنه يجب أن يصدر من فرد واحد , فقد يشترك في تكوينه أكثر من فرد كل منهم يعمل في مرحلة من مراحل تكوينه لأن الجميع يعملون لحساب جهة إدارية واحدة


ترتيب القرار لآثار قانونية :
لكي يكون القرار إدارياً يجب أن يرتب آثاراً قانونية وذلك بإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني معين , فإذا لم يترتب على العمل الإداري ذلك فإنه لا يعد قراراً إدارياً .
وبناءً على ذلك فإن الأعمال التمهيدية والتقارير والمذكرات التحضيرية التي تسبق اتخاذ القرار لا تعد قرارات إدارية ونجد أنه من المناسب أن نبين مضمون بعض هذه الأعمال :

1- الأعمال التمهيدية والتحضيرية : وهي مجموعة من القرارات التي تتخذها الإدارة وتتضمن رغبات واستشارات وتحقيقات تمهيدا لإصدار قرار إداري وهذه الأعمال لا تولد آثاراً قانونية ولا يجوز الطعن فيها بالإلغاء
.
2- المنشورات والأوامر المصلحية : وهي الأعمال التي تتضمن تعليمات وتوجيهات صادرة من رئيس الدائرة إلى مرؤوسيه لتفسير القوانين أو اللوائح وكيفية تطبيقها وتنفيذها , ما دامت هذه المنشورات لم تتعد هذا المضمون أما إذا تضمنت أحداث آثار في مراكز الأفراد فأنها تصبح قرارات إدارية يقبل الطعن فيها بالإلغاء .
3- الأعمال اللاحقة لصدور القرار : الأصل أن هذه الأعمال لا ترتب آثراً قانونياً لأنها أما أن تكون بمثابة إجراءات تنفيذية لقرارات سابقة فلا يقبل الطعن فيها بالإلغاء لأنها تنصب على تسهيل تنفيذ القرار الإداري السابق , ولا تشير إلى قرارات مستقبلة فلا يكون الأثر المترتب عليها حالاً.
4- الإجراءات الداخلية : وتشمل إجراءات التنظيم للمرافق العامة التي تضمن حسن سيرها بانتظام واطراد , والإجراءات التي يتخذها الرؤساء الإداريون في مواجهة موظفيهم المتعلقة بتقسيم العمل في المرفق وتبصير الموظفين بالطريق الأمثل لممارسة وظائفهم .

ولقد اعتمد قضاء مجلس الدولة المصري منذ إنشائه المبادئ التي استقر عليها القضاء الإداري الفرنسي تجاه القرارات التي لها قوة القانون في إخضاعها لرقابة المشروعية بوصفها مبدأً عاماً. وهذه القرارات قد تأتى تحت صفة لوائح الضرورة، واللوائح التفويضية أو في ظل نظرية الظروف الاستثنائية التي سنأتي إلى تفصيلها تباعاً .
الفرع الأول : الرقابة على لوائح الضرورة واللوائح التفويضية .
نشأ مجلس الدولة المصري في ظل دستور 1923 الذي كرس المادة (41) للوائح الضرورة التي أخضعها قضاء مجلس الدولة لرقابته كما يظهر ذلك جلياً في حكم لمحكمة القضاء الإداري بتاريخ 21/6/1952 الذي جاء فيه أن (المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 هو مرسوم له قوة القانون صدر من السلطة التنفيذية بمقتضى المادة (41) من الدستور ، ولاشك في أن هذا المرسوم يعتبر من ناحية مصدره ـ وهي الناحية التي يعتد بها وحدها في تحديد مدى رقابة القضاء ـ قراراً إدارياً يخضع لرقابة هذه المحكمة خضوع سائر القرارات التنظيمية منها والفردية ، فإذا كان باطلاً كان على المحكمة أن تقضي بإلغائه عند رفع الدعوى الأصلية ، وان تمتنع عن تطبيقه عند الدفع بالبطلان )

(1) . إن القرار القضائي أعلاه يؤكد أن المرسوم بقانون بالرغم من أن له قوة القانون فهو لا يخرج عن الوصف القانوني له كقرار إداري خاضع لرقابة قاضي المشروعية وبالتالي فانه يمكن الحكم بإلغائه كلياً أو جزئياً .
واستمرت محكمة القضاء الإداري بتبني المعيار الشكلي وبالتالي بسط رقابتها على لوائح الضرورة حتى في ظل دساتير الجمهورية (2) . وأيدت المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة هذه الرقابة وذكرت في حكم لها بتاريخ 14/4/1962 ( إن سلطة الحكومة في هذا المجال ليست ولاشك طليقة من كل قيد بل تخضع لأصول وضوابط ، فيجب أن تقوم حاله واقعية أو قانونية تدعوا إلى التدخل ،وأن يكون تصرف الحكومة لازماً لمواجهة هذه الحالة بوصفه الوسيلة الوحيدة لمواجهة الموقف ، وأن يكون رائد الحكومة في هذا التصرف ابتغاء مصلحة عامة ، وبذلك تخضع مثل هذه التصرفات لرقابة القضاء ، غير أن المناط في هذه الحالة ، لا يقوم على أساس التحقق من مشروعية القرار من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون ، وانما على أساس توافر الضوابط التي سلف ذكرها أو عدم توافرها ،……. ) (3) . إلا أن رقابة هذه اللوائح لم تدم لمجلس الدولة ، فقد صدر القانون رقم (48) لسنة 1979 الخاص بالمحكمة الدستورية العليا الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 6/9/1979 . وقد جاء في المادة (25) منه ( تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي :
ـ الرقابة على دستورية القوانين واللوائح .


(4) . وجاءت المادة أعلاه على غرار المادة (175) من دستور 1971

5 وعليه فان التشريع الجديد قد جعل للمحكمة الدستورية العليا الولاية في نظر مشروعية لوائح الضرورة دون القضاء الإداري ، إذ أن هذه الرقابة للمشروعية تستند أساسا إلى النصوص الدستورية إضافة إلى المبادئ العامة للقانون نظراً لتمتع لوائح الضرورة بقوة القانون . وقد جاء في حكم للمحكمة الدستورية العليا بتاريخ 4/5/1985 ( إن الدستور وان جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب ، إلا انه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية ، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما قد يصدر من قرارات استناداً أليه . فأوجب لأعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وان تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها …. فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد أليهما للتحقق من قيامهما ، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات ، شانهما في ذلك شان الشروط الأخرى التي حددتها المادة ..... )

(6) .إننا نرى بان ليس من الصواب حصر الرقابة على لوائح الضرورة بالمحكمة الدستورية العليا ، إذ أن هذه اللوائح هي قرارات ذات طبيعة إدارية من الناحية الشكلية، وبالتالي فان مجلس الدولة يملك الحق في بسط رقابته عليها بحكم كونه الجهة المختصة بالرقابة على القرارات الإدارية بجميع أنواعها ، فهذه القرارات بحكم طبيعتها تخضع لقواعد ومبادئ واحدة وهو أمر تقدره حق تقديره الجهة المختصة وهي القضاء الإداري . إن القضاء المصري يستند بشكل أساسي في تحديد طبيعة العمل القانوني على المعيار الشكلي بوصفه مبدأً عاماً . وعليه فان اخضاع النظر في مشروعية القوانين والقرارات الإدارية التنظيمية لجهة إدارية واحدة هو أمر فيه تغليب للمعيار الموضوعي على الشكلي ، وإذا أريد الأخذ بذلك فان مجلس الدولة سوف تقتصر رقابته على طائفة محددة من القرارات الإدارية ، وهو ما يخالف الواقع. هذا فيما يخص لوائح الضرورة ، أما النوع الأخر من القرارات التي لها قوة القانون وهي اللوائح التفويضية فأنها طبقاً للمعيار الشكلي الذي يتبناه مجلس الدولة المصري تخضع لرقابته . وقد ظهرت هذه اللوائح في دساتير العهد الجمهوري وذكرت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها بتاريخ 29/6/1968 شروط إصدار اللوائح التفويضية وذلك ضمن ولاية مجلس الدولة على رقابة اللوائح المذكورة ، وجاء في هذا الحكم بان ( هذه القرارات " اللوائح التفويضية " لا تصدر فقط في غيبة مجلس الأمة ، كما هي الحال في لوائح الضرورة بل يجوز صدورها في أثناء انعقاده وليس في نصوص الدستور " دستور 1964 " ما يوجب عرضها عليه . فهي أذن تتمخض عن اشتراك السلطة التنفيذية في الوظيفة التشريعية وإحلالها محل السلطة التشريعية فيما هو داخل في اختصاصها وقد يكون ذلك في الوقت الذي تكون فيه السلطة الأصلية قائمة بوظيفتها . ومن هنا كان وجه الدقة في الأمر ، ولذلك حرص الدستور على تقييد التفويض بالقيود التي نصت عليها المادة " 120 " سالفة الذكر ……. )

(7) . ذكرت المحكمة في هذا الحكم أيضاً بأنه ( لو صح أن المادة السابعة من القانون " 32 " لسنة 1966 قد انطوت على تفويض تشريعي للسيد رئيس الجمهورية … فان هذا التفويض يكون غير مستكمل لشروطه الدستورية …… وإذا أغفلت تلك المادة تحديد نطاق التفويض ولم تبين الأوضاع التي يجري فيها هذا التفويض….. فان هذا التفويض لا يصح سنداً لتخويل السيد رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون لاسيما حيث تتناول هذه القرارات أمراً من الأمور التي حتم الدستور أن يكون تنظيمها بقانون كمثل تحديد اختصاص جهات القضاء الذي أوجبت المادة " 153 " من الدستور أن يكون بقانون)

(8) . وفي نهاية هذا الحكم انتهت المحكمة إلى أن ( اللائحة التي صدرت بناء عليه " قانون التفويض السابق الذكر " تكون مجردة من قوة القانون ، وبذلك يكون حقيقياً على القضاء أن يمتنع عن تطبيق قانون التفويض لو صح انه كذلك ، كما يمسك عن نفاذ حكم اللائحة التفويضية )
(9) .
الفرع الثاني : نظرية الظروف الاستثنائية .
لقد تبنى مجلس الدولة المصري نظرية الظروف الاستثنائية بدون تردد وذلك منذ حكمة الصادر في 26/6/1951 في قضية جريدة ( مصر الفتاة ) والتي تتلخص وقائعها
(10) في أن الجريدة المذكورة قد قامت بشن حملات عنيفة ضد الحكومة والتي بدأت تؤثر في الرأي العام فقامت النيابة العامة على اثر ذلك بالتحقيق مع المسؤول عن الجريدة وفي هذا الوقت اشتدت حملة الجريدة فلجأت الحكومة إلى المحكمة لاستصدار قرار بتعطيل الجريدة بموجب قانون المطبوعات فبينما كانت القضية معروضة أمام المحكمة أخذت الجريدة بزيادة حملتها بشكل خطير جداً بحيث رأت الحكومة أن استمرار ذلك قد يؤدي إلى ثورة ضدها ، فأصدرت قراراً بإلغاء ترخيص الجريدة وحجبها عن الجمهور مستندةً في ذلك على نظرية الضرورة .
وعلى اثر هذا القرار قام المسؤول عن الجريدة بالطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري ، فأصدرت المحكمة حكمها فيما تقدم .
وقامت المحكمة في هذا الحكم بتحديد أركان نظرية الظروف الاستثنائية وهي: ـ
قيام خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام العام والأمن .
أن يكون عمل الضرورة هو الوسيلة الوحيدة لدفع هذا الخطر .
أن يكون هذا العمل لازماً حتماً فلا يزيد على ما تقتضيه الضرورة .
أن يقوم بهذا العمل الموظف المختص .
وأرجعت المحكمة تلك الأركان إلى مبدأين أو قاعدتين معروفتين في الشريعة الإسلامية هما ( الضرورات تبيح المحضورات ) و( الضرورة تقدر بقدرها ) .
وخلصت المحكمة بعد ذلك إلى أن تصرفات الحكومة مع الجريدة لا تنم عن الخطر الداهم الذي لا سبيل إلى دفعه إلاّ بالإلغاء الفوري ، ولاسيّما بعد أن لجأت الحكومة إلى القضاء فاصبح واجباً عليها أن تنتظر حتى يقول القضاء كلمته .
وقد أقرت المحكمة في هذا الحكم مبدأ خضوع لجوء الحكومة إلى نظرية الظروف الاستثنائية لرقابة القضاء ، إذ ذكرت ( أن أعمال الضرورة تخضع في جميع الأحوال لرقابة القضاء ليرى إذا ما كانت أركان الضرورة متوافرة حتى يقوم حق الضرورة وتنتفي المسؤولية .
فإذا لم تتوافر هذه الأركان فليست هناك ضرورة ويكون العمل الصادر من الإدارة في هذه الحالة موجباً للمسؤولية إذا كان مادياً وباطلاً إذا كان قراراً إداريا) . وقد جاءت المحكمة الإدارية العليا بعد ذلك

(11) وأكدت منهج محكمة القضاء الإداري بشان هذه النظرية وذلك في حكمها الصادر بتاريخ 26/3/1966

(12) الذي أورد الشروط الأربعة نفسها التي ذكرها حكم محكمة القضاء الإداري . وذكرت المحكمة الإدارية العليا بان هذه الأركان تقوم على الأسس ذاتها التي اعتمدت سابقاً .... ان مجلس الدولة المصري قد اتفق مع نظيرة الفرنسي في الأركان الثلاثة الأولى لنظرية الظروف الاستثنائية أو كما سماها الفقه والقضاء الفرنسي شروط النظرية . لقد حددت محكمة القضاء الإداري منذ نشأتها نظرية الظروف الاستثنائية ضمن حدود نظام الأحكام العرفية

(13) ولم تجز خروج نطاق النظرية في ذلك الوقت عن حدود هذا النظام . ومما صدر عنها في ذلك حكم بتاريخ 25/3/1956

(14) ألزمت فيه الحكومة بدفع تعويض للمدعي وذلك لان القبض عليه وحبسه من يوم 17/4/1949 وحتى صدور أمر الحاكم العسكري العام في 21/4/1949 باعتقاله قد وقع من رجال البوليس بصفتهم من رجال الضبط الإداري ، والقرار الصادر في هذا الشان من حكمدارية بوليس القاهرة أو من يمثله يعدّ قراراً إدارياً يخضع لرقابة القضاء الإداري ( ومن حيث إن القرار سالف الذكر صدر يعتبر سند من القانون يخول هذا الأجراء المقيد للحرية وفي غير الحالات المبينة على سبيل الحصر في المادة " 15 " من قانون تحقيق الجنايات . والفقرة السابعة من المادة الثالثة من القانون رقم " 15 " لسنة 1923 للأحكام العرفية التي لا تجيز " لسلطات الضبط الإداري " الأمر بالقبض إلا على المشردين والمشتبه فيهم وليس المدعي من هؤلاء فان القرار المذكور يكون قد جاء مخالفاً للقانون ) .

إلا أن المحكمة الإدارية العليا كان لها رأياً أخر عندما طعن في حكم محكمة القضاء الإداري أمامها . وقد جاء في أسباب الطعن

(15)واسباب الطعن الذي أودع من قبل رئيس هيئة المفوضين بتاريخ 14/5/1956 ( إن القبض على المدعي الأول في الفترة من 17/2/1949 إلى 21/2/1949 كان وقائياً بقصد المحافظة على الأمن العام في الظروف الاستثنائية التي صدر فيها القرار . وقد يكون هناك وجه لما ذهب أليه الحكم المطعون فيه في الظروف العادية ، على اعتبار أن القبض على المدعي جاء مجحفاً بالحرية الفردية التي ارتأى الحكم أنها أولى بالرعاية …. إلا أن الأمر لابد وان يكون له وجه آخر يختلف في الظروف الاستثنائية عنه في الظروف العادية ….. ) . وقد أيدت المحكمة الإدارية العليا ما ذهب إليه رئيس هيئة المفوضين وجاء في حكمها ( ……. وكان هذا الأجراء أمراً لابد منه حفاظاً للأمن ومنعاً لوقوع الجرائم تسوغه ظروف الحال وملابساته وقتذاك . وليس من شك في أن للحكومة في مثل هذه الحالة الاستثنائية سلطة تقديرية واسعة لتتخذ من التدابير السريعة الحاسمة ما تواجه به الموقف الخطير ، إذ بقدر الخطر الذي يهدد الأمن والطمأنينة بقدر ما تطلق حريتها في تقدير ما يجب اتخاذه من إجراءات وتدبير لصون الأمن والنظام . وليس يتطلب من الإدارة في مثل هذه الظروف الخطرة ما يتطلب منها في الظروف العادية من الحيطة والدقة والحذر حتى لا يفلت الزمام من يدها ….. ) .يتضح مما تقدم أن المحكمة الإدارية العليا قد عمدت إلى التوسيع من نطاق نظرية الظروف الاستثنائية ولم تقصرها على نظام الأحكام العرفية فقط . وهذا التوسع له خطورته على حقوق وحريات الأفراد ولاسيّما أن النظام القانوني المصري يتميز بالإفراط في استخدام نظام الأحكام العرفية ( الطوارئ ) وهو ليس بحاجة إلى توسيع قواعد المشروعية الاستثنائية خارج حدود هذا النظام . وفيما يخص نظام الأحكام العرفية أيضاً فان المحكمة الإدارية العليا قد اختلفت كذلك مع محكمة القضاء الإداري بشان قوانين التضمينات . ففي الوقت الذي أكدت فيه الأخيرة عدم دستورية هذه القوانين فان المحكمة الإدارية العليا قضت بدستوريتها

(16) . واستمر هذا الحال حتى صدور دستور 1971 الذي نص في المادة (68) منه على أن ( …… يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار أدارى من رقابة القضاء …… ) . على أن المحكمة الإدارية العليا وكذلك محكمة القضاء الإداري قد اتجهتا إلى عدّ إعلان الأحكام العرفية ( حالة الطوارئ ) من أعمال السيادة

(17). ومما صدر عن المحكمة الإدارية العليا في هذا الشان حكمها بتاريخ 29/12/1979 الذي جاء فيه ( …… أن قرار " إعلان حالة الطوارئ " من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارية بحسبانه من الإجراءات العليا التي تتخذ في سبيل الدفاع عن كيان الدولة أو استتباب الأمن أو النظام العام بها إلا أن "التدابير التي يتخذها القائم على أجراء النظام العرفي تنفيذاً لهذا النظام سواء أكانت فردية أو تنظيمية "

يتعين أن تتخذ في حدود القانون وتلتزم حدوده وضوابطه وألا تنأى عن رقابة القضاء ولا تتجاوز دائرة القرارات الإدارية التي تخضع للاختصاص القضائي لمجلس الدولة ) (18). لقد عدّ مجلس الدولة المصري إعلان حالة الطوارئ من أعمال السيادة بالرغم من انه عدّ حالة الطوارئ إحدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية التي يبسط فيها رقابته على اللجوء أليها وتطبيقها . وهذا ما تم فعلاً في الرقابة على تطبيق المادة (74) من دستور 1971 . لقد عدّ مجلس الدولة المصري المادة المذكورة إحدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية (19) ورتب على هذه المادة ما رتبه بخصوص الرقابة على تطبيق هذه النظرية فهو قد اخضع اللجوء إلى المادة (74) لرقابته كما يفعل في حالة اللجوء لنظرية الظروف الاستثنائية . وما يوضح ذلك بجلاء ما جاء في حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 11/2/1982 بمناسبة طعن موجه ضد قرارات بقوانين أصدرها رئيس الجمهورية بموجب المادة (74) من الدستور والذي جاء فيه (20) انه ( من الثابت من ديباجة القرارات المطعون فيها أرقام 492 و 493 و 494 و 495 أنها صدرت استناداً إلى المادة (74) من الدستور التي تمثل حاله من حالات الضرورة .
وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن الضرورة كسبب للقرار الإداري لا تقوم إلا بتوافر أركان ثلاثة هي : ـ
1.أن يكون هناك خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام والأمن .
2.أن يكون القرار الصادر هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر .
3.أن يكون القرار لازماً حتماً فلا يزيد على ما تقضي به الضرورة ) .
وارجع المجلس هذه الأركان إلى الأسس التي ذكرها في أحكام سابقة بخصوص نظرية الظروف الاستثنائية .
وبعد أن أوردت المحكمة فقرات مطولة من بيان رئيس الجمهورية في 5/9/1981 والخطاب الذي ألقاه في اليوم نفسه أمام مجلسي الشعب والشورى في اجتماع مشترك غير عادي، قالت ( ويبين من بيان وخطاب رئيس الجمهورية سالفي الذكر أن الخطر الجسيم المفاجئ الذي دفعه إلى إصدار القرارات المطعون فيها هو الأحداث التي وقعت في الزاوية الحمراء ، وان الشرطة سيطرت على الموقف وصانت الأمن العام في حينه وان النيابة وضعت الأمور في نصابها وكان ذلك في شهر يونيو " حزيران " سنة 1981 . فان القرارات المطعون فيها وقد صدرت في 2/9/1981 في تاريخ لاحق على وقوع هذه الأحداث والسيطرة عليها تكون قد صدرت في وقت لم تكن فيه الأمور تستلزم صدورها ، حتى ولو كان رئيس الجمهورية يخشى وقوع أحداث خطيرة وجسيمة في المستقبل حسبما جاء في خطاب المشار أليه ، لان اتخاذ هذه القرارات منوط بتوفر خطر حال ، لا خطر زال أو خطر قد يحدث في المستقبل ، وبذلك ينتفي الركن الأول لقيام حالة الضرورة .
وبالإضافة إلى ذلك فان ما ورد بالخطاب المشار أليه وما نسب إلى أحزاب ألاقلية وإلى الجماعات الأسلامية وإلى بعض الشخصيات الدينية ، فانه لا يبلغ من الخطورة درجه تبرر القرارات المطعون فيها . فان هذه القرارات ليست الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر . وكان يكفي لدفعها الالتجاء إلى القواعد القانونية القائمة المقررة للظروف العادية ، ومنها على سبيل المثال أحكام قانون العقوبات الخاصة بحماية أمن الدولة ، والقانون رقم " 34 " لسنة 1972 بشان حماية الوحدة الوطنية والقانون رقم " 33 " لسنة 1978 بشان حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي والقانون رقم " 95 " لسنة 1980 بشان حماية القيم من العيب . هذا بالإضافة إلى سلطة رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون بالشروط المقررة في المادتين 108 و147 من الدستور . وبذلك ينتفي الركن الثاني لقيام حالة الضرورة ) .

وانتهت المحكمة بعد ذلك إلى أن ( حالة الضرورة التي استند أليها رئيس الجمهورية في إصدار القرارات المطعون فيها غير قائمة وقت إصدار هذه القرارات ومن ثم تكون هذه القرارات بحسب ظاهر الأوراق غير قائمة على السبب الذي أسندت أليه ). وفي النهاية قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرارات المطعون فيها .
إن هذا الحكم يمثل نقطه مضيئة ومشرفة في تاريخ القضاء الإداري المصري . لقد قامت المحكمة هنا بوظيفتها على الوجه الأكمل ، فالقضاء الإداري يجب أن يوازن في عمله بين حقوق وحريات الأفراد وبين متطلبات العمل الإداري كما ذكرنا ذلك سابقاً . ولكي يقوم بهذه المهمة فان عليه الأخذ بنظر الاعتبار الظروف المحيطة بالقرار . فكما نعلم أن المادة (74) من الدستور المصري النافذ تتميز بمحدودية الضمانات الواردة فيها إن لم نقل ندرتها . وهذا خلاف الحال بالنسبة للمادة (16) الأصل التاريخي للمادة محل البحث . إضافة إلى أن تلك الضمانات القليلة لا تؤتي ثمارها وذلك نتيجةً لواقع الحال في مصر . فالاستفتاء على الإجراءات المتخذة تطبيقاً للمادة (74) هو استفتاء صوري . والدليل على ذلك إن الموافقة من قبل الشعب تمت على الاستفتاءين الذين حصلا في مصر عامي 1977 و 1981 ، بينما نرى كثرة الطعون الموجهة ضد الإجراءات المتخذة تطبيقاً لهذه المادة لاسيّما في التطبيق الثاني
(21) . ويرجع ذلك ، عند بعض الشراح ، إلى ضعف الوعي عند الشعب إضافة إلى ضعف المعارضة
(22). نتيجةً لما تقدم فقد انبرت محكمة القضاء الإداري للدفاع عن حقوق وحريات الأفراد المهددة بشكل خطير عند تطبيق هذه المادة فقامت ببسط رقابتها الكاملة على هذه المادة عند اللجوء أليها وعند تطبيقها عادّةً إياها إحدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية .
إن النظرية المذكورة هي كما علمنا نظرية قضائية ، وعليه فللقضاء السلطة التقديرية في كيفية تطبيقها بالشكل الذي يحقق الهدف منها . وقد لحظنا إن مجلس الدولة الفرنسي قد ابتدع نظرية الظروف الاستثنائية لمواجهة العجز الذي يعتري التشريعات الاستثنائية ومنها قانون الأحكام العرفية عن مواجهة بعض الظروف الاستثنائية ، ولم يعدّ هذا المجلس المادة (16) من تطبيقات هذه النظرية بينما نرى أن مجلس الدولة المصري عدّ قوانين الأحكام العرفية (الطوارئ) من تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية ، كما عدّ المادة (74) والمستوحاة من المادة (16) احدى تطبيقات هذه النظرية . وذلك كله ناتج عن اختلاف الواقع السياسي والقانوني في كل من فرنسا ومصر . وبالرغم من اعتبار مجلس الدولة المصري المادة (74) احدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية إلا أن القرارات التي لها قوة القانون الصادرة بموجب المادة المذكورة تتميز بالدوام وبالتالي فان القرارات التنظيمية التي لها قوة القانون تؤدي إلى تعديل القوانين القائمة ، على عكس الحال فيما يخص المادة (16) التي تتميز القرارات الصادرة بموجبها بالتأقيت ، بالرغم من أن مجلس الدولة الفرنسي لم يعدّها من تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية . في ختام هذا (الموضوع) يمكننا أن نتبين مدى الخطوات الواسعة التي خطاها مجلس الدولة المصري في الرقابة على القرارات التي لها قوة القانون حتى انه قد فاق في ذلك نظيرة الفرنسي . فاصبح بحق قلعة حصينة لحماية حقوق وحريات الأفراد ، وهو أمر له ضرورته في مصر وذلك لضعف الضمانات التي تحويها القواعد الدستورية والقانونية وان وجدت فهي بالغالب صورية . أننا نستطيع أن نميز في أحكام القضاء الإداري المصري اتجاهين مختلفين ، الأول يمثله محكمة القضاء الإداري والتي تميل إلى حماية الحقوق والحريات فيما تقره من قواعد ومبادئ ، بينما نرى أن المحكمة الإدارية العليا التي تمثل الاتجاه الثاني ترجح في كثير من الأحيان كفة الإدارة على حساب حقوق وحريات الأفراد ، وإن كان هذا الاتجاه قد تقلص بشكل كبير بصدور دستور 1971 الذي نص على منع تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء وكفالة حق التقاضي لجميع الأفراد .
______

المراجع:
1- د. أحمد عبد الرحمن شرف الدين ، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، القضاء الاداري ، كلية الشريعة والقانون ، جامعة صنعاء ، 1991. ص270 .
د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1996. ص142 .
2- جاء في حكم لمحكمة القضاء الإداري في 24/6/1957 ( إن فقه القانون العام وقضاء مجلس الدولة في فرنسا ومصر قد جريا على الأخذ بالمعيار الشكلي لا الموضوعي في التفرقة بين العمل التشريعي الذي هو بمنأى عن الإلغاء والعمل الإداري القابل للإلغاء أي أن العبرة بالجهة التي أصدرته ، فان كان صادراً من السلطة التنفيذية اعتبر قراراً إداريا أيا كانت طبيعته ) .
د. عبد الرحمن شرف الدين ، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، مصدر سابق . ص256 .
3- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، مصدر سابق . ص142 .
4- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا ، القانون الدستوري ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، بيروت ، 1983. ص814 .
5- جاء في هذه المادة ( تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية ، وذلك كله على الوجه المبين في القانون ) .
6- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، مصدر سابق . ص143 .
7- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، مصدر سابق . 138 . ويُنظر في ذلك د. بشار عبد الهادي ، الجوانب التطبيقية لتفويض الاختصاصات التشريعية والإدارية في مصر والاردن ، الطبعة الأولى ، دار الفرقان للنشر والتوزيع ، عمان ، 1982. ص25 .
8- د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمان الرقابة القضائية ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1982. ص296 .
9- د. احمد عبد الرحمن شرف الدين . د. محمد رفعت عبد الوهاب ، مصدر سابق . ص275 .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

راكومين..غلة وجبة شهية لقتل الفئران

كافوزال Cafosal لتنشيط التمثيل الغذائي – حقن للاستعمال البيطري