قراءة في أقاصيص أحمد الزلوعي
قراءة في أقاصيص أحمد الزلوعي
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
نُشر للقاص الدكتور/ أحمد الزلوعي، أربعة أقاصيص بجريدة
الأهرام، يوم الجمعة 16 يونيو 2017، وهم بالترتيب: برد، وسواس، مصباحان، حداد. كما
نرى عناوين الأقاصيص عبارة عن كلمة واحدة، في الأقصوصة (برد) يرصد الكاتب لمشكلة برد الواقع ودفء المجهول، الغني الفاحش والفقر المدقع، صدور عارية
من البذخ وأخرى عارية من الضيق، المفارقة هنا في استخدام الجريدة، فصاحب السيارة
يمسح بأوراقها زجاج سيارته التي غرقت كالرصيف بمياه المطر، ثم القاها فلتقطها
الصبي وطوى الجريدة لتكون درعا واقيا من المطرح تحت القميص المقطع ويستدفئ بالشمس
والكرافتات الأنيقة التي تمتلئ بها صفحات الجريدة. عدد كلمات الأقصوصة (106) كلمة،
توفر فيها المكان (الميدان، وبالتحديد تحت الشجرة)، الزمان (ليلة من ليالي البرد
والشتاء القارص)، الشخصيات (استطاع رسمها بدقة لإيصال الفكرة من الأقصوصة، وهما
شخصيتين، صاحب السيارة والصبي الذي يراقبه)، مبدأ الوحدة متوفر بالحكاية من حيث
الموضوع والموقف والهدف والشعور وطريقة المعالجة، تخلو من الحوار إلا إذا اعتبرنا
مراقبة الصبي لما كان يفعله صاحب السيارة مع الأمطار الساقطة عليها، حوار غير
مباشر، أو حوار مع الذات، الحدث لم يستغرق سوى دقائق معدودة، فهي أقصوصة ذات بُعد
اجتماعي فهذا ملجئه من مياه المطر السيارة وذاك الشجرة الوحيدة الموجودة بالميدان.
وفي 134 كلمة جاءت أقصوصة
(وسواس)، حكاية كتبته بذكاء كبير وبعمق أكبر، تجمع بين حرفية السرد والإبحار في
الفلسفة، بين الأرض والسماء، الحبيبة تمشى على الأرض والحمامة تغدو في السماء، في
البداية كانت الحبيبة تسير عكس السرب وهي تبكي.. فابتسم وكان سعيداً، أما الحمامة
شذت عن السرب فأحدث له تشوش ذهني وصل لحد الوسواس، أما في النهاية جفت عينيها من
الدموع وقررت الحبيبة أن تسير مع السرب وقررت أن تتزوج ما اختره له أبوها
والابتعاد عنه، أما هو فبحث في السماء فلم يجد سرب الحمام ولكنه وجد الحمامة النافرة
وحيدة في السماء.. تابعتها بشغف.. كان مسارها مضطربا رغم انفرادها لكن اضطرابها لم
يشوش ذهني هذه المرة مطلقا؛ وبذلك أثبت الكاتب بأن البطل كان على خطأ في بداية
الأمر عندما صدقة حبيبته، ولكنه ادرك هذا الخطأ في النهاية واكتشف بأن الحمامة
النافرة التي تسير عكس السرب هي التي كانت على صواب.. وحتى لا نجعل حديثنا كله
حديث مروري، من الممكن أن نفسر الأقصوصة عدة تفسيرات، ليس كل من يسير عكس السرب
على خطأ لمجرد أنه ترك المجموعة ذات الشكل الجميل ومنسق كرأس سهم مثلا، أو يمكننا
أن نقول بأن اختيار السماء هو الأفضل للإنسان عن اختيار الأرض....الخ. أظهر القاص
هنا البُعد النفسي لشخصيتي الأقصوصة بشكلً جيد، مما كان له أثره في خدمة فكرته
والمغزى من ورائها.
هي سنة الله في كل شيء،
الكبير يتساوى مع الصغير، والأعلى يساوي الأدنى، والقوي يماثل الضعيف، والطويل مثل
القصير في الظلام الدامس، هذا ما أحب أن يثبته الدكتور الزلوعي في أقصوصة
"مصباحان" التي جاءت في 36 كلمة فقط، فلا الحجم ولا اللون ولا الشكل ولا
الموقع سيفرق عندما يحل الظلام ولا يرى أحدا شيء.
أما الاقصوصة الأخيرة
"حداد"، فكانت أقصرهم حيث كتبت في 25 كلمة فقط، وفي سطرين، وهي ترصد
حالنا في السنوات الأخيرة، فهذا يسكر وتلك ترقص والآخر يطبل ويترنح، وشاشات
التلفاز تنقل تلك الصور للبيوت، برغم وجود الشارة السوداء أعلى الشاشة حزناً
وحداداً على شهداء الوطن الذي قتلوا بدمً بارد، ولكن الكل مستمر في طريقه بدمً حار
شاهد المشهدين دون أن يتأثر.
تتميز القصة القصيرة جداً
(ق.ق.ج) بحجمها الصغير جداً، والذي لا يتعدى البضعة أسطر، وتحتوي على الحدث
والأفكار بشكل مكثف ومختزل، كما يتميز هذا الفن الأدبي بالتصوير البلاغي الذي يطغى
على السرد المباشر، والمفارقة موجودة وواضحة، وقد استطاع القاص د.أحمد الزلوعي في
فعل ذلك في الاقاصيص الأربعة التي قمنا بقراءتهم هنا.
تعليقات
إرسال تعليق