المحاولة والخطأ في إذابة المعادن!
المحاولة والخطأ في إذابة المعادن!
إذابة المعادن بين المحاولة والخطأ!!
دائمًا نقول: "إنَّ بالمحاولة والخطأ يأتي التعلُّم"، ويبدو
أن الموضوع الذي سنطرحه علمي بحت، خاصة أننا بصدد الحديث عن إذابة مجموعة متنوِّعة
من الأملاح المعدنية لتحضير محلول معدني، فيقول القارئ العزيز لنفسه:
• ما
الداعي لقراءة موضوع في الكيمياء غير العضوية.. لا يخصُّني من قريب أو من بعيد؟!
فأنا أريد معلومة علمية ثقافية سريعة بسيطة بعيدة عن التعقيد والتفصيل!
أرد عليك عزيزي القارئ:
• هذه تجربة حقيقية قد قمتُ بها بالفعل في المعمَل،
ولولا المحاولةُ والخطأ، ما كنت تعلمت، وبالتالي أحببت تسجيلها في تلك السطور، حتى
لا أنساها، ولكي لا يقع فيها غيري من الباحثين أو حتى أي شخص يتعامل مع مثل هذه
الأملاح المعدنية، وقد تعلمنا من البحث العلمي بأن مِن طُرقِ جمع المعلومات وتسجيل
البيانات: الملاحظةَ والمشاهَدة، وبالتالي كان لا بد من تدوين مثل هذه المحاولات،
حتى نعظم مما نقوم به من خطوات علمية، وخاصة أن أساتذتنا الكبار يَنقلون لنا مثل
هذه الخبرات في أحيان كثيرة بشكل شفوي، وليس تحريريًّا مسجَّلاً!! مما يعني أنهم
إذا ما ذهبوا وتركونا فسوف تذهب معهم مثل هذه التفاصيل التي تبدو بسطية ولكنها
مهمة؛ لأنها توفر الوقت والجهد والتكاليف.
• وفي الحقيقة: الوقوع في الخطأ والتعلم منه، هو ما
نستفيد منه في حياتنا العلمية، وهي الفائدة الحقيقية من ممارسة التجارب العلمية
المعملية بيدك وبنفسك، فما تفعله بذاتك لن يُنسى، وهو الذي يكوِّن لدى الإنسان
الشخصية العلمية والخبرات التراكمية.
وللدخول في صلب الموضوع، كنت قد شرعت في تحضير بيئات معدنية للكشف عن
السلالات البكتيرية محللة للسليلوز والألياف، والموجودة في أعور الأرانب، وقد
استعنت بكتاب الأستاذ الدكتور / حسين عبدالله محمد الفضالي، "تدريبات عمليَّة
في الميكروبيولوجيا العامة"، مكتبة نانسي - دمياط، مصر، ط1، 2008، (ص: 224 -
225)، وكان تركيب البيئات كالتالي:
أولاً: بيئة دوبس Dubos medium (لاختبار
تحليل السليلوز هوائيًّا):
• نترات
صوديوم = 0.5 جرام
• فوسفات
ثنائي البوتاسيوم= 1.0 جرام
• سلفات
ماغنسيوم = 0.5 جرام
• كلوريد
بوتاسيوم = 0.5 جرام
• كبريتات
حديديك = آثار
• ماء
مقطر = 1000سم3 (1 لتر(
• الـ pH
= 7.5.
♦ وزع البيئة الغذائية في الأنابيب بمعدل 5 سم3 لكل أنبوبة مع وضع شريط
مِن ورق الترشيح كمصدر للسليلوز في كل أنبوبة بحيث يكون جزء منها مغمورًا في
البيئة، وجزء فوق سطحها، ثم عقّم الأنابيب.
ثانيًا: بيئة أومليانسكي Omliansky,s
medium (لاختبار تحليل السليلوز
لا هوائيًّا):
• كبريتات
أمونيوم أو فوسفات أمونيوم = 1.0 جرام
• فوسفات
ثنائي البوتاسيوم= 1.0 جرام
• سلفات
ماغنسيوم = 0.5 جرام
• كبريتات
كالسيوم = 2.0 جرام
• كلوريد
صوديوم = آثار
• ماء
مقطر = 1000 سم3 (1 لتر).
♦ وزِّع البيئة الغذائية في الأنابيب بمعدل 5 سم3 لكل أنبوبة مع وضع
شريط من ورق الترشيح كمصدر للسليلوز في كل أنبوبة بحيث يكون مغمورًا كليًّا في
البيئة، ثم عقِّم الأنابيب.
♦ ♦ ♦
الفاصل السابق مقصود، لفصل ما هو كيماوي عن ما حدث في المعمل من
محاولة وخطأ ثم تصويب الخطأ، عندما قمت بالبحث عن عبوات كل مادة معدنية من السابقة
الذِّكْر بالأعلى بالبيئتين المذكورتين للكشف عن الأنواع البكتيرية المحللة
للسليلوز هوائيًّا ولا هوائيًّا، وأحضرتُ كأسًا زجاجيًّا مخروطيًّا، ووقفت أمام
الميزان الحساس الرقمي، الذي يزن المواد بالكسور العشيرية لدقة الوزنات، قمت بوزن
كل مادة بالمقادير الموضحة أمام كل معدن، ثم سكبتُها داخل الكأس الزجاجي المدرج،
الملح فقط الآخر، حتى انتهيت من وزن كل الأملاح المطلوبة لتكوين هذه البيئة أو
ذاك، وبدأ في تكملة الكأس لكمية الماء المطلوبة، سواء 250مل (ربع لتر) أو 500مل
(نصف لتر) أو 1000مل (1 لتر)، على حسب الكمية المطلوب تحضيرها من البيئة مع مراعاة
الكميات اللازمة من كل ملح معدني والتي ستتناسب مع حجم البيئة المطلوب تحضيرها.
إلى هنا، أين المشكلة؟!
المشكلة وببساطة أن الأملاح التي وزنت ووضعت على بعضها لم تذب في
الماء عند إضافة حجم الماء المطلوب!!
فظللتُ أحاول إذابة هذه الأملاح عن طريق هز ورج الكأس الزجاجي باليد
بأقصى قوة ومجهود بلا فائدة، ثم وضع الكاس على جهاز هزاز Shaker أيضًا لا نتيجة مرضية، فالأملاح تحولت إلى كتلة
تُشبه الحجر، إلى أن اقترح أحد الباحثين الشبان بأنه قد قام بنفس الخطوات حين كان
طالبًا في مرحلة البكالوريوس، وقد أذاب مثل هذا المحلول الملحي باستخدام جهاز
التقليب الساخن مع مقلّب مغناطيسي(Hot stirring with a magnetic
device Mold)، وبالفعل قمت بإحضار هذا المقلب، والذي ظل
يقلب في المحلول مع التسخين لأكثر من نصف ساعة ولكن دون جدوى.
وفي نهاية الأمر اعتبرت أن التجربة بجميع محاولاتها فاشلة، وقد ابتسم
أستاذي المشرف، وقال:
♦ إذًا ما حدث لك يثبت بالدليل القاطع أن ما قاله لنا أساتذتنا زمان
كان صحيحًا!! فلا بد أن تقوم بإذابة كل ملح وكل معدن على حدة؛ حيث لا بد من إضافة
كمية من الماء على كل وزنة من المعدن، والتقليب للتأكد من إذابتها، ثم تزن المعدن
التالي، وهكذا!!
بالفعل قمت برمي محتويات الكأس الذي لم تذُبْ فيه الأملاح لتحضير
بيئة معدنية سليمة، وقمت بإعادتها مرة أخرى، وكانت النتيجة سليمة وصحيحة.
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
تعليقات
إرسال تعليق