نجاة ياسين شاعرة الغربة العربية على ضفاف النيل
حفل توقيع ومناقشة ديوان وجهتي قلبك للشاعرة المغربية نجاة ياسين
كتب: محمود سلامة الهايشة –المنصورة:
في ليلة ساحرة مليئة بالحب والعشق والبوح وعلى كورنيش النيل بمدينة المنصورة الساحرة، وبالتحديد في مساء أول اثنين في العام 2011 تم إقامة حفل لتوقيع الديوان الأول للشاعرة المغربية الأصيل والمقيم في بلجيكا والذي يحمل عنوان "وجهتي قلبك" والصادر من المنصورة عن سلسلة أدب الجماهير التي يشرف عليها مؤسسها الأديب الكبير فؤاد حجازي، وقد طبع في دار الإسلام للطباعة والنشر بالمنصورة، حيث حضر لقاعة ميراج بشارع الجمهورية بالمنصورة كوكبة هائلة ونخبة متميز من الأدباء والشعراء والكُتاب والنقاد ومحبي الشعر للاحتفاء والاحتفال بهذا الديوان الذي يقع 118 صفحة من القطع الصغير ويحتوي على 51 قصيدة شعرية، هناك قصيدة جاءت على جزأين وهي بعنوان "عذراً..أخشى الصعود" حيث رقمت الشاعرة الجزء الأول برقم (1) والثاني برقم (2)، وغلاف الديوان ذو لون سكري ويعمل صورة فتاة ولوحة الغلاف للفنان نصر الدين، وهذه هي الطبعة الأولى من الديوان والذي صدر في أخر أيام من العام المنقضي 2010. ويوجد على الغلاف الخلفي للديوان كلمات وأبيات من قصيدة "قلبي عناصر أربعة" تقول الشاعرة في هذا الجزء المختار على الغلاف:
فصول أربعة
عناصر أربعة
هي حياتي
نار..
ماء..
هواء..
إنْ رحلتُ حبيبي
اكتب على قبري
جعلتُ من الحب
قبلتي
وجهتي
وتعقيباً على تلك الأبيات وفي مداخلة للشاعرة/فاطمة الزهراء فلا – رئيس اتحاد كُتاب مصر فرع الدقهلية، التي تحدث عن علاقة الرجل بالمرأة فكلما كانت المرأة مطيعة ومستسلمة له ولا تخرج عن طوعه ولا تطالب بأي حقوق ولا تفرق بين مالها وماله تكون حياتهما سعيدة، أما إذا طالبت بأن تكون لها شخصيتها واستقلاليتها ينقلب الوضع وتصبح الحياة بينهما جحيم وشقاء فالرجل الشرقي يريدها جارية، ولكن هنا وفي ديوان "وجهتي قلبك" جعلت "نجاة ياسين" الرجل قبلتها ووجهتها وعيناه وطنها، إذا وبهذه المشاعر والأحاسيس فهي تجعل الرجل يمتلك كل العالم.
وفي نفس القصيدة "قلبي عناصر أربعة" يخرج لنا مجدي نجم معنى مميز أردته الشاعرة عندما قالت:
نُوري ..ناري
هو مداري
حرفي
يحرق
كل الكواكب
التي استسلمت للظلام
آذار .. هو عنواني
آذار .. هو عنواني
فهنا تأخذ من النار نورها، فهي لا تريد شرورها بل خيرها، و(آذار) هو شهر مارس شهر ميلادها (أي ميلاد الشاعرة نجاة ياسين).
والشاعرة الحالمة العاشقة المغتربة نجاة ياسين من مواليد 30 مارس 1968، بالدار البيضاء بالمغرب، متزوجة وأم لطفل، قاطنة ببروكسيل، بلجيكا، أستاذة توجيه اجتماعي. حاصلة على الإجازة في علم الاجتماع، شهادة الميتريز في علوم التربية. ناشطة جمعوية، ناشطة حقوق الإنسان ونقابية، عضوه مجلس إدارة المنتدى العالمي للإبداع وحوار الثقافات، مديرة العلاقات العامة، عضوه الرابطة العربية للإبداع، فرع جديد قربا ببروكسل حاصلة على عضوية فعلية وشرفية في عدة جمعيات بالمغرب وبلجيكا. وللشاعرة ديوان ثاني جاهز للطبع تحت عنوان "ومضات من المهجر" وهو نفس العنوان الذي تحمل مدونتها الشخصية على الإنترنت اسمها (http://yassiniyate.blogspot.com/) ورابط الشاعرة نجاة ياسين على الموقع الاجتماعي "الفيس بوك" (http://facebook.com/Najat.Yassine).
قام بمناقشة الديوان كلا من الشاعر والناقد الكبير الأستاذ/ مجدي نجم، والشاعر والمترجم/ عبده الريس، أدارت الندوة الشاعرة/ هبه عبد الوهاب، وقدم الحفل الشاعر/ محمود السيد إسماعيل. وقد شملت الأمسية فواصل غنائية على أوتار الشاعر والملحن والإنسان الأستاذ/ مختار سليمان، والذي أطرب الحضور بثلاثة قصائد من تلحينه وغنائية أبدتهم بـ "إنتى فلسطيني" تلتها قصيدة "البداري" من كلمات الشاعر مرهف الحس الأستاذ/ جمال السمطي، واختتم غنائه بقصيدة "بغداد" كلمات يوسف سنبل، وقد غنها "سليمان" بناءً على طلب بعض الضيوف العراقيين الحاضرين الأمسية.
كتبت الشاعرة نجاة ياسين في تمهيدها لديوانها تقول: "أطلقت صرخة الحياة الأولى في آذار.. لينتهي بي المطاف عند نيسان.. حيث كوكب مارس.. يستعد للثورة على الظلام.. ليستعيد رمزه الناري.. سيجعل من قرون الحمل عوذ ثقاب..تشغل براكيني الراكدة.. فأتوه بين الرغبة والذكرى.. فيا أليوت.. أن لم تأخذك الرأفة بقلبي .. فحولني إلي إحدى أكذوبات نيسان..فتضيع الرغبة والذكرى معا".
نحاول هنا في لمحتنا السريعة على ما جاء في مناقشة هذا الديوان، ان نقتطف لك عزيزي القارئ زهرة من بستان مجدي نجم وعبده الريس حتى تستمتع برحيق أزهار ديوان نجاة ياسين ومن دنيها الشاعرة، فنبدأ بترتيب المناقشة بالدراسة التي قدمها الناقد الفذ/مجدي نجم، والذي بدأ قراءته للديوان بقراءة الإهداء الذي كتبته نجاة ياسين في صدر الديوان، وهو إهداء إلى الأسرة جذوراً وفروعاً، حيث ذكرت الأب والأم والزوج والابن، فكتب أربعة كتب في أربعة جمل، فكل جملة تعتبر كتاباً مستقل بذاته:
روح أمي الطاهرة: الأم القصيدة التي لم تكتمل.
أبي محمد ياسين: عنوان الكفاح والنضال.
زوجي محمد: نبض عاشق ثائر.
ابني ياسر: ثمرة الحب والثورة.
ويقول نجم: هناك في بداية الديوان أربعة قصائد كاشفة (ترنيمات صوفي، قلبي عناصر أربعة، غريبة، عيناكَ وطني)، وأربعة أخرى في نهاية الديوان تعتبر نتائج لهذه الشخصية أو نتاج لقصائد الديوان ومحصلة نهاية لها (في البدء، بوح العين، هي وبتهوفن، انتظار). وتسأل هل فكرت الشاعرة نجاة ياسين في ترتيب قصائد ديوانها "وجهتي قلبك" أم جاء هذا الترتيب بالمصادفة؟!، ومن خلال قراءته لقصائد الديوان وقبل أن يقرأ سيرتها الذاتية في نهاية الديوان عرف أنها تنتمي لبرج الحمل وهو برج ناري ومرتبط بفصل الربيع، وهم ما يميز أسلوب نجاة ياسين من وجهة نظر الناقد مجدي نجم هو أنها مزجت بين الكلمات والمصطلحات والمفردات الحديثة والعلمية والأجنبية والصوفية والدينية والفنية والموسيقية والسياسية مع تسامح إنساني مع الآخر وفخرها بأنوثتها.
تحدث مجدي نجم عن إشراقات البوح في ديوان وجهتي قلبك لنجاة ياسين، وقد مقدمة تاريخية شعرية قارن فيها بين شعر الرجال وشعر النساء في الشعر العرب على مر العصور، وضرب العديد من الأمثلة لشعرات كتب التاريخ أسمائهن كالخنساء، جليلة بنت مُره، رفيدة زوجة أبي حمزة، ولاَدة بيت المستكفي...وغيرهن. فكم من نساء مطربات ظل التاريخ يذكرهن على مر العصور ولكن كم من سيدة كتبت الشعر وذكرها أحد.
وفي قصيدة "غريبة" يظهر معاناة الغربة لدى الشاعرة، ويظهر من تلك القصيدة كما قال مجدي نجم أن الشاعرة مزجت بين حضارة أهل المغرب بالحضارة الإسلامية، وقد توقف عن الأبيات التي تقول فيها:
روح مسلمة
عربية
تفوح منها
عطور أمازيغية
فكلمة (أمازيغية) كلمة يفضلها أهل المغرب العربي كبديلً من كلمة البربر لأن الغرب لا يستطيع أن يميز بين البربر والبرابرة، ف "طارق بن زياد" القائد العظيم هو من البربر العظام، لذا فنحن العرب نفرق جيد بين البربر هذا الجنس المتميز وبين البرابرة الطغاة.
أما الشاعر/ عبده الريس قدم قراءة للديوان من منظور مختلف عن ما فقد تناول غلاف الديوان والشكل الظاهري له بالتحليل بدأ من لونه لذي كان يفضله أزرق أو رمادي وقد أعجبته صورة الفتاة الموجودة عليه، وقد جزم أن الشاعرة قصدت هذا الترتيب لقصائد ديوانها فقد قسم "الريس" ديوان وجهتي قلبك إلي جزأين الجزء الأول وهو ثلثي الديوان من بدايته حتى قصيدة "الأمل..لازال في الحب"، والذي منها يبدأ الجزء الثاني، ففي أول 35 قصيدة من الديوان يبرز الملمح الخطابي، فالذات الشاعرة تشعر بالاغتراب تبحث عن نفسها وتجدها في حالة وحدة وتبحث عن شخص أخرى يؤنسها وحدتها، تشرح له اغترابها، وهنا يقسم "عبده الريس" حالة الاغتراب لدى الشاعرة نجاة ياسين إلي نوعين، اغتراب عن الوطن، واغتراب وجودي تشعر فيه طوال الوقت أنها غريبة عن هذا العالم. فالثلثين الأوائل من الديوان تتحدث عن علاقتها بالآخر لا تخرج خارج ذاتها، بينما في الثلث الأخير من الديوان موضوعاته مختلفة تماماً – الحديث ل عبده الريس – فقد خرجت الشاعرة خارج ذاتها، وأصبحت قصائده أكثر نضجاً على صعيد الكتابة بالاختزال دون الخوض في التفاصيل المفهومة ضمنياً كما حدث في بداية الديوان ففي هذا الثلث الأخير تتحدث عن ذوات الآخرين بإحساس مختلف كالقصيدة التي أهدتها الشاعرة لأمها والمعنونة "وداعاً أمي"، فقد تركت مسألة البوح وخرجت من ذاتيتها فهي وصلت لقمة ذروتها الشعرية في هذا الثلث، الذي يعتقد عبده الريس بحكم أنه مترجم تصلح قصائده بأن تترجم للغات الأجنبية.
كما تناول عبده الريس شكل تركيب عناوين قصائد الديوان وقد حددها في ثلاثة نماذج أو تراكيب لغوية:
1- تركيب إضافي (شبة جملة): 4% من قصائد الديوان.
2- جملة (خبرية، إنشائية): 75% من قصائد الديوان.
3- كلمة واحدة فقط: 21% من قصائد الديوان مثل: انتظار، بغداد، مطر، ذهول، زحام، زغرودة، سفر، خيانة، غريبة.
وبخصوص عناوين القصائد داخل الديوان جاء مداخلة من أحد الحضور يعترض على هذا الأسلوب في اختيارها، ورد على تلك النقطة بالتحديد الناقد مجدي نجم موضحاً أن الشاعرة متأثرة جداً بالثقافة الغربية الأوروبية وقد مزجت وأتت لنا بهذا الأسلوب الغريب بعض الشيء على ثقافتنا العربية ولكن هذا شيء جديد يحسب للشاعرة ولابد دائماً – ومازال الحديث على لسان مجدي نجم – أن نتعرف على ثقافة الشاعر والمؤثرات التي تحيط به حتى لا نحكم عليه حكماً خاطئاً.
وفي مسألة الحكم على المبدع أوضح عبده الريس في جانب من دراسته أنه ليس من وظيفة الناقد أن يحكم حكماً قضائي على هذا الكاتب بأنه جيد أ وغير جيد أو يستمر في مشواره الأدبي أو يتوقف عن الكتابة، بل هو يناقش الأساليب ويضعه على أماكن القوى والضعف ويوجهه ويقدم الناقد كذلك قراءته للمتلقي حتى يسهل عليه فهم النصوص بصورة سليمة وميسورة.
خاض عبده الريس باستفاضة عن القصيدة قبل الأخيرة في الديوان وهي قصيدة "هي وبتهوفن.. والعشق..سمفونية القدر 5" وهي أطول قصائد الديوان، هذا الموسيقار العالمي الأصم المعروف بالسمفونيات الشهيرة، وقد اختارت الشاعرة السمفونية الخامسة وهي أهم أعمال بيتهوفن وليس السمفونية التاسعة كما يظن البعض.
وقد ألقت الشاعرة نجاة ياسين العديد من قصائد ديوانها "وجهتي قلبك" على مسامع الحضور منها القصيدة التي تحمل عنوان الديوان، وقصيدة "ترنيمات صوفي"، وقصيدة "إلي مناضل". وقد أطلق الشاعر والناقد/ عصام بدر لقب "شاعرة الغربة العربية" على الشاعرة نجاة ياسين، وذلك خلال كلمته التي ألقها معلقا على المناقشة والديوان.
وقد حضر هذه الأمسية الشعرية الغنائية الموسيقية الكثير والكثير من أعلام الفكر والأدب من داخل وخارج المنصورة والدقهلية بل وجمهورية مصر العربية نذكر أسماء بعضا منهم على سبيل المثال لا الحصر مع حفظ ألقاب سيادتهم: فؤاد حجازي، محمد خليل، أسامة درويش، فاطمة الزهراء فلا، علي عوض، على عبد العزيز، مصباح المهدي، أسماء عبد الفتاح، ولاء عزت، وليد العدوي، أحمد الحديدي، محمود سلامة الهايشة، جمال مجاهد السمطي، مختار سليمان، د.سمية عودة، علاء الغندور، محمود السيد إسماعيل، عصام بدر، عادل أمين، والموهبة الشابة أسماء أسامة محمد (في الصف الثاني الثانوي) وبرفقتها أكبر داعم لها ولمواهبها المتعددة والدها الأستاذ أسامة محمد...وغيرهم الذين أطلب منهم السماح في عدم تذكرهم وقت كتابة تلك التغطية وهذه الكلمات.
متابعة وتغطية: محمود سلامة الهايشة –المنصورة
تعليقات
إرسال تعليق