معاناة المرأة المصرية العاملة..في "آن له أن يبوح" للكاتبة شافية معروف
ý المرابطين على تخوم الوطن..في "آن له أن يبوح" للكاتبة شافية
محمود
ý معاناة المرأة المصرية العاملة..في "آن له أن يبوح" للكاتبة
شافية معروف
ý المزج بين العلم والأدب في مجموعة "آن له أن يبوح" للكاتبة شافية
معروف
ý تحرير المرأة وحمايتها من العنف في المجموعة القصصية "آن له أن
يبوح" لـ شافية معروف
ý أدب السجون والمعتقلات بعيون أنثى في مجموعة "آن له أن يبوح" لـ
شافية معروف
ý الحكايات والأساطير القروية في مجموعة "آن له أن يبوح" لـ شافية
معروف
بقلم
محمود سلامة الهايشة[1]
تحتوي المجموعة القصصية الأولى "آن له أن يبوح" للكاتبة
المصرية الدمياطية شافية محمود معروف، علي 28 قصة قصيرة، كٌتبت بلغة عربية
فصحي، بالإضافة إلى الإهداء والمقدمة والتمهيد.
فقد أهدت الحاجة/شافية (كما نناديها في الوسط الأدبي) مجموعتها لثلاثة،
الأول الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم، وإلى والدتها-رحمه الله، وإلى أرواح
شهداء دول الربيع العربي، ولم تكتفي بشهداء الثورة المصرية فقط بل ولشهداء الثورات
العربية الذين دفعوا أرواحهم ودمائهم ثمننا للحرية.
تناولت الكاتبة في المقدمة لأهم غايات الأدب، والمدينة الحديثة بين
الإيجابيات والسلبيات، وما يميز عين وعقل وإحساس المبدع الموهوب عن غيره من البشر،
في الوصول لكل ما هو مبتكر. ولم تكتفي المؤلفة بالإهداء والمقدمة كأي عمل أدبي بل
كتبت تمهيداً لمجموعتها، وعنونته بـ "قال العارف بالتاريخ"، وهي عبارة
عن أربعة أسئلة مختلفة تسألها للعارف بالتاريخ فيجيب عليها، واعتقد أنها عبارة عن
أربعة قصص قصيرة جداً (ق.ق.ج) تخلص بهم الكاتبة الأغراض أو الأهداف أو المحاور
الرئيسية التي تدور حولها قصص المجموعة، التي تبحث فيها على الحرية، حرية الفكرية
والاجتماعية والنفسية والسياسية...الخ من الحريات المتعددة.
عناوين قصص المجموعة:
قد اختارت الكاتبة عناوين قصصها من خلال
بكلمات ذكرت داخل القصة سواء في بدايتها أو في نهايتها، ويمكن تقسيم قصص المجموعة
على حسب العنوان إلى أربعة أقسام كالتالي:
عنوان يتكون من كلمة واحد
|
عنوان يتكون من كلمتين
|
عنوان يتكون من ثلاثة كلمات
|
عنوان يتكون من أربعة كلمات
|
(5)
قصص
|
(12) قصة
|
(4) قصص
|
(7) قصص
|
معبر، قرار، كظلها، انفصام، تسبيح.
|
قفص العصافير، أتراه المعتصم؟،
جدها والطين، بائع اللبن، القميص الأزرق، وهذه عروستي، مشروع
ضحكة، الشيك الأخير، أنا وأسيادي، الحوض موعدنا، الليلة الكبيرة، عصا
المكنسة.
|
مقعد علي الطائرة، شارع هدى شعراوي، عمود
الخيمة الطائر، رحلة عبر الزمن.
|
شاهد ماشافش حاجة، وليمة من لحم مسموم،
كفني المزمزم عند جارتي، آن للمهاجر أن يبوح، يوم في حياة جنيه، حجاب
على نفقة الدولة، حدث في لجنة الانتخاب.
|
ومن الجدول السابق يتضح أن:
-
تنوعت عناوين قصص المجموعة بين كلمة وأربعة
كلمات. وكانت أكثر القصص (12 قصة) هي التي تتكون من ثلاثة كلمات.
-
"أتراه المعتصم..؟"
عنوان استفهامي، على هيئة سؤال ومناجاة.
-
القصص التي كتبت بالجدول بخط ثقيل ووضع تحتها
خط، وتبلغ (8) قصص، فهي قصص وضعت لها الكاتبة عنواناً إضافياً وهو (صفحات من دفتر
المرابطين على تخوم الوطن) بهدف التذكير بهؤلاء الذين لاقوا ويلاقون العنت
والابتلاء، في سبيل الحرية والعدل في بقاع متعددة من الوطن.
-
آن للمهاجر أن يبوح: من هذا العنوان نفهم أن (المهاجر) هو الذي
يعود على الضمير (له) في عنوان المجموعة ككل (آن له أن يبوح)؛ فهذه القصة
التي اختارتها الكاتبة لكي تكون عنوان لمجموعتها، هي عبارة عن (النيل شاهدا على
العصر)، النيل شاهد على كل الفراعنة التي حكمت مصر، بكى كثيرا، إلى أن نزلت
قطرات الأمل عليه من عيون السماء. تهتم الكاتبة بالنيل وتعتبره شاهدا على كل عصر
ومشاركاً فيه.
فهناك أسلوب (تقليدي) جرى العرف على
استخدامه، لاختيار عنوان مجموعة قصصية يقوم الكاتب بإعدادها للنشر، وهو أن يقارن
بين مختلف القصص المنتقاة ، ويختار من بينها ما يراه (الأنسب) من وجهة نظره. وقد
يرجع التفضيل إلى (هوى) معين في نفس الكاتب نحو قصة معينة، أو إلى ما حظيت به قصة
معينة من (شهرة)، جعلت عنوانها يشيع وينتشر، فيحاول الكاتب باختياره عنوانها أن
يوظف ذلك النجاح من أجل ترويج المجموعة، وهو ما فعله يوسف إدريس، للمثال، حين
اشتهرت قصة (أنا سلطان قانون الوجود) وذاع أمرها، حين نشرها للمرة الأولى في جريدة
(الأهرام) بتاريخ 24 نوفمبر 1972، وكانت حول واقعة (حقيقية) اغتال فيها أسد من
السيرك القومي مدربه محمد الحلو، فإذا بيوسف إدريس –كفنان كبير– يفسر تلك الواقعة
(المحدودة) على ضوء ما يحدث في المجتمع الكبير من تحولات، فحققت القصة ذيوعا
وانتشارا بين القراء، وهو ما جعله يتخذ منها (عنوانا) لأحدث مجموعة من القصص
أصدرها بعد ذلك عام 1980. وهو نفس ما فعله بهاء طاهر في أعقاب نجاح قصة (بالأمس
حلمت بك) بعد نشرها في مجلة (إبداع)، حين وظف ذلك النجاح من أجل ترويج أحدث مجموعة
قصصية أصدرها بعد ذلك في عام 1983 ، بمنحها نفس العنوان.[2]
ويمكن تقسيم قصص المجموعة على حسب الحجم، حيث تتراوح أحجام القصص ما بين
صفحة وخمسة صفحات بحجم الكتاب من القطع الصغير. بينما كانت قصة (الليلة الكبيرة)
هي أطول قصص المجموعة فكانت ستة صفحات، والتي تدور أحداثها حول الصاري والضريح
القائمان وسط ساحة بالقرية لأحد أولياء الله الصالحين، والذي أصبح له مولد سنويا
يحيي أهل القرية (مولد سيدك الشرباصي). لذا اعتقد أن قصص المجموعة عبارة عن فصول
ومشاهد ولقطات من حياة كاتبتنا "شافية معروف"، ولأن الكاتب لا يستطيع أن
ينفصل عن نفسه بنسبة 100% ولأن هذه المجموعة القصصية هي الأولى للمؤلفة، فاعتقد فيها
جزء من سيرتها الذاتية تم سردها في هذا الكتاب.
تحكي قصة "قفص العصافير" عن حياة هادئة لأسرة مصرية تعيش عيشة
طبيعية (قبل قيام ثورة 25 يناير) إلى أن جاءت ليلة استيقظ فيها الجميع على طرقات
قوية من زائري الفجر (رجال أمن الدولة) قلبوا البيت رأسا على عقب، وضعوا القيود في
يدي الأب كصيد ثمين ثم أدخلوه بإحدى العربات الجيب وأبتعد الموكب، فهدأت الأم من
روع الأطفال وطمأنتهم – إلى هنا فلا مشكلة- الكارثة هي أنها بذلت مجهود كبير حتى
تقنعهم أن الشرطة في مصر تحبس الشرفاء وتترك المجرمين!!! ، تبرير
سوف يظل راسخاً في أذهان الأطفال مدى حياتهم ولن يتغير.
قصص قصيرة جداً (ق.ق.ج) من داخل قصة
"قفص العصافير":
·
العصافير المحبوسة! (المبتدأ):
سأل الطفل أمه: هل العصافير شرفاء أم مجرمين
يا أمي؟
قالت الأم: العصافير مخلوقات لا تعرف ارتكاب
الذنوب.
فكر الطفل ملياً، أطرق رأسه وسالت دموعه في
صمت.
·
الحرية للعصافير! (الخبر):
بعد رحلة سفر استمرت 24 ساعة، عاد الطفل من
زيادة أباه في السجن، والتي لم يراه فيها إلا عشرين دقيقة، عمد إلى قفص العصافير
ففتحه، وظل يتأمل العصافير الجميلة وهي تنطلق في سماء الله الواسعة.
معاناة المرأة العاملة محوراً من
محاور قصص المجموعة:
·
الراوي في قصة "شاهد ماشافش حاجة"
يصف حال البطلة: "داهية الدواهي لو أن أحدهما كان يعاني من ارتباك معوي، فإن
ذلك يعني أن مديرها في العمل سينهرها على التأخير، وقد تعود دون أن توقع في دفتر
الحضور ويحتسب اليوم غياب". والقصة تطرح قضية تحمل الزوجة لمسئولية تربية
الأبناء بالإضافة لعملها مع أن الزوج مسافر للعمل خارج البلاد بدول الخليج.
·
بينما بطلة قصة "شارع هدى شعراوي":
"دعت الله أن تلحق التوقيع في دفتر الحضور قبل أن يرفعه المدير، الوقت يجري
بسرعة وعقارب الساعة"؛ "آه..لم يعد لدى المزيد من الإجازات
العارضة"؛ "معذرة يا سيادة المدير لقد كان طفلي يرفض الاستيقاظ من
النوم، يبدو أنه كان دافئاً من أثر التهاب في حلقه"؛ "يستدعيها رئيسها
ويعنفها على تباطئها في إنجاز العمل، وينبهها إلى أنه فرغ صبره، وسيطلب من المدير
عدم تجديد عقدها مع المؤسسة إذا استمر تراكم العمل المكلفة به". كان هذا
المدير اسمه (الأستاذ مسعد)، فهذا الاسم يذكرني بالأستاذ مسعد –رحمه الله، أول
الموظف كان ممسك بدفتر الحضور والانصراف في بداية حياتي الوظيفية، والذي فعل معي
واجب كبير في التشطيب، وسبحانه الله يمرض ويحجز بالمستشفى القريبة من منزلي، فكنت
أكثر موظف بمكان العمل يزوره ويطمئن عليه، وقد طلب من ابنته أن تتصل بي لكي يراني
قبل بالغد، وبالفعل أدخلي ابن عمي الذي
كان يعمل بالمستشفي في الصباح الباكر قبل موعد الزيادة بثماني ساعات، فدخلت عليه
الغرفة وألقيت عليه السلام، فوجدته مغطى تماما، فقال لي المريض الراقد على السرير
المجاور له: يا ابني الأستاذ مسعد توفي منذ نصف ساعة.
الرمز والتشبيه في قصص المجموعة:
·
تناولت الكاتبة قصة حياة جنيه مصري في قصة
"يوم في حياة جنيه"، وقد أخذ الجنيه نفس مراحل حياة إنسان منذ
لحظة ولادته وخروجه من بطن أمه في (مصلحة سلك العملة)، ثم انتقاله للحضانة (البنك
المركزي)، ثم استلامه أهله ووالديه (صراف المصلحة الحكومية) ثم بدأ يحتك بباقي
أفراد المجتمع الكبير والصغير، السعيد والحزين، وتحرك بسرعة وببطء، تعرض للروائح
الكريهة والجميلة، فقد أمسك بالجنيه: الموظف- الولد المدلل- بائع الحلوى- بائع
الخضر- بائع السمك- امرأة عجوز- الكناس- سائق الميكروباص- عسكري المرور المرتشي-
بائع الطعمية-الجزار- السائل (الشحات)، إلى مرض الجنيه وتغير لونه وأصيب
بالميكروبات إلى وصل إلى يد المعلمة التي مزقته إرباً إرباً وقذفت به في نار
الشيشة، فمات محترقاً وتحول إلى طاقة، محياة كل شيء مادي خلقه الخالق. وقد طرحت
المؤلفة شافية معروف، العديد من القضايا الاجتماعية داخل هذه القصة ولكن بشكل سريع
وخاطف كحياة الجنيه القصيرة.
وهذه القصة ذكرتني بقصة كنت كتبته منذ عدة سنوات بعنوان (نقل دم!)[3]
أقول فيها:
خرجتُ من البيت مبكِّرًا، توجَّهت لمحطَّة
الحافلات، ركِبْتُ الحافلة الصَّغيرة المتَّجهة لعملي، الرُّكَّاب يأتون على مهل،
بقِي مقعد فارغ، السَّائق لا يُريد التحرُّك إلاَّ بعد استِكْمال كل المقاعد،
فاقْترح أحدُهم أن نتحمَّل أُجرة هذا المقعد وننطلِق؛ حتَّى لا نتأخَّر عن
أعمالنا.
في منتصف الطَّريق بدأْنا نجمع الأجرة، بِمجرَّد
أن أمسك السَّائق بالنُّقود المجمَّعة، قام بعدها:
ما هذا؟! محتاج نقل دم.
فاندهشتُ، انفزعت، عيْني تبحثُ في وجوه
الرُّكَّاب، أنظُر في جَميع الاتّجاهات، أتلفَّت حولي، فما أجد شيئًا، مَن هذا؟!
مَنِ المريض؟!
فنظر السَّائق بعيْنِه في المرآة الَّتي أمامه،
ينظر؛ ليعرف مَن السَّائل، فنظرتُ بشدَّة، وقعت عيْني بعينِه، فابتسم: أنا بمجرَّد
أن أصِل سوف أذهبُ به إلى المستشْفى.
مِنَ الركاب، أم أنت؟
رفع يده ممسكًا بجُنيْه ورَقي، فنظرتُ إليه،
وجدتُه قديمًا، ملصوقًا بلاصق النُّقود، استدارتْ رقبتُه: يا أستاذ، هذا هو
المحتاج لنقْل الدَّم!
المرأة/الأنثى
محور ارتكاز قصص المجموعة:
بما أن كاتب الكتاب
امرأة، فالتالي فالعامل المشترك الأعظم في قصص مجموعة "آن له أن يبوح"
هي المرأة، والقضايا التي تتناولها الكاتبة في قصصها تخص المرأة بشكل مباشرة أو
غير مباشرة، وفي الحقيقة بحكم أن المرأة هي نصف المجتمع في العموم، وأكثر من نصف
المجتمع في الخصوص، فيصبح أي قصة أو حكاية تمس المرأة بشكلً أو بأخرى ولذا مقدار
اشتراك المرأة في هذا المشهد القصصي أو ذاك هو اختلاف نسبي، يتراوح ما بين 50%
وحتى 100%.
·
في قصة "أتراه المعتصم..؟": المرأة السورية وطفلتها
تحت نيران جيش الأسد المتوحش.
·
في قصة "وليمة من لحم مسموم": الفتاة الفريسة،
الغنيمة، المغتصبة، المذبوحة كالدجاجة.
·
في قصة "كفني المزمزم عند جارتي": المرأة الريفية
التي بلغت السبعين، والتي تتكلم من خلال بعض الأسنان التي تركها الزمن في فمها
وشفتين موشومتين، ولتي عانت الأمرين في تربية ابنها الوحيد وتعليمه، كيف عملت في
البيوت والحقول، ينهرها هذا ويحسن إليها ذاك.
·
في قصة "بائع اللبن": الفتاة التي تعمل في محل
"عبد العزيز" بائع اللبن، الذي كان يومين يعطي لها التعليمات بأن تزيل
المساحيق من على وجهها. وزوجته التي تشتكي له من آلام الحمل، كان دائماً يستشهد
بقصة الخليفة عمر بن الخطاب مع بنت بائعة اللبن، بأنها كانت لا تضع المساحيق على
وجهها، ولم تكن تغش اللبن..!!، تلد زوجته فيسمي المولد "عمر" تيمناً
بحفيد ابنة بائعة اللبن. قصة جميلة من وحي
التراث الإسلامي.
·
في قصة "القميص الأزرق": عصام هذا الموظف الذي يفعل
كل شيء بشكل آلي، ويرى كل يوم تلك المرأة مرة ترتدي فستانها الأبيض، ومرة فستانها
الزهري وتقول له: لماذا تتجاهلني بينما تنام في فراشي كل ليلة؟، ثم يرن تليفونه
كثيراً فيرد: من معي؟ فترد: عصام لا تنس حفاضات الأطفال ومخفض الحرارة..!!، ومرة
ترتدي فستاناً أحمر وشالاً من الحرير الأسود، وفي النهاية كانت ترتدي قميصاً
أزرقاً شفافاً. وهنا المقصود ليس تعديد ألوان القمصان ولكن إبراز العملية التخيلية
التعويضية عند شاب يعانى الحرمان العاطفي لسبب أو لآخر.
·
في قصة "هذه عروستي": الأم وابنتها رقية في مخيمات
اللاجئين الفلسطينيين. وتعد هذه القصة من القصص التي تصلح للطلائع لتعريفهم
بالقضية والمأساة الفلسطينية. فهي كمشاهد من مسرحية للأطفال.
·
في قصة "مقعد على الطائرة": ربطت الكاتبة بين مقعد
الذهاب ومقعد العودة إلى الغربة، فتحكي عن قصة رجل ظلت سنوات طويلة في الغربة،
لتأمين مستقبل الأولاد، وقد قرر هذه المرة أن يرجع إلى بيته ولن يعود إلى تلك
الغربة اللعينة مرة أخرى، ليس من المنطق أن يؤجل حياته لصنع حياة الآخرين حتى ولو
كانوا أولاده، إلا أنه اكتشف أنه بالنسبة لهم ليس أكثر من ممول، تجرأ وصرح فيه
أولاده وقالوا له (كما مرتاحين وأنت غايب) و (ارجع مطرح ما جيت مش عاوزينك)، فحجز
مقعدأ على الطائرة وسافر في نفس اليوم. وهكذا كانت ضريبة الغربة والابتعاد عن
المشاركة في التربية الأبناء لسنوات طويلة حتى كبروا.
·
في قصة "معبر": والمقصود هنا "معبر رفح"
أو "معبر صلاح الدين" أو كما تسميه دولة الاحتلال "فلادلفيا"
أو كما تسميه الكاتبة "حاجز العذاب" وقصة من قصص العالقين على المعبر،
والذي مات من شدة مرضه، فسمح للجثة بالعبور لكي يدفن في المخيم!!.
·
في قصة "أنا وأسيادي": السيدة المطلقة ونظرة المجتمع
ومعاملة من حولها لها. وتواصلها مرة أخرى مع ابنتها التي حرمت منها منذ أن كانت في
الرابعة من عمرها حتى صارت عروسة. والأم التي أصيبت بشلل نصفي وكل من حولها من
البنات وزوجة الابن رفضوا رعايتها بحجة انشغالهم بحياتهم الخاصة وبيوتهم وأبنائهم.
·
في قصة "الحوض موعدنا": الحديث عن أم الشهيد، من
خنساوات فلسطين الصابرات المحتسبات، ورد فعلها بعد استشهاد ابنها، وانتهى بها
الأمر أن قامت بعملية استشهادية فجرت نفسها في حافلة جنود صهيونية.
·
في قصة "الليلة الكبيرة": حكايات الطفلة الصغيرة مع جدتها
في كل ما يخص مولد (الشرباصي) الذي يقام سنويا بالقرية وله ليلة كبيرة.
·
في قصة "حجاب على نفقة الدولة": تناقش الكاتبة مشكلة
النصب والاحتيال بالدجل والشعوذة بواسطة سيدة تدعى البركة وفك الأعمال السحرية
السفلية وحل المشاكل المستعصية. وعمل عمل سفلي للمسئول حتى يوافق على طلب علاج أمه
على نفقة الدولة بحجاب بماء الزعفران.
·
في قصة "حدث في لجنة الانتخابات": سيدة عجوز تذهب
مستندة على كتف حفيدتها للإدلاء بصوتها في الانتخابات الرئاسية لأول مرة في عمرها،
بالطبع بعد ثورة 25 يناير.
·
في قصة "كظلها": القطة التي تلازم الجدة كظلها .
·
في قصة "عصا المكنسة": ترصد أحوال المرأة والبنات
العراقيات خلال حرب غزو العراق، والقتل والتشويه والتعذيب على يد الجيش الذي جاء
رافعاً شعار (جئنا كي نحرركم، نعلمكم أصول الديمقراطية، وننشر ثقافة حقوق
الإنسان، لابد أن نضمن حقوق الأطفال ونمكن للمرأة من قيادة المجتمع، سننصرف بعد
وضع أسس الديمقراطية واستتباب الأمن...)، فالقصة تحكي قصة نساء تحت النيران.
·
في قصة "عمود الخيمة الطائر": المرأة وابنتها
(علياء) التي تركها زوجها بالطلاق، وظل يتزوج ويطلق مرات ومرات إلى أن مكنته أرملة
من نفسها وبيتها ومال أولادها القصر، إلى أصبح من رجال الأعمال المشاهير.
·
في قصة "رحلة عبر الزمن": الجدة وحفيداتها فاطمة
ونور في مشاهد ريفية: الطين، النيل، الغطاس، بلاليص الجبن القديم والمش الحار بالفلفل،
العسل الأسود، السمن البلدي، أقراص الكشك، وأقماع البامية المجففة...الخ. وقد فجرت
الكاتبة في نهاية هذه القصة قضية (التجارة في الملابس والمفروشات الصينية التي غزت
مصر)، ومشكلة (المدرسة الموازية أي الدروس الخصوصية).
·
في قصة "تسبيح": تسبيح وجدتها، وماذا حدث لهم بسبب
اعتقل أبو تسبيح.
لغة الحوار
السردي بقصص المجموعة:
المتتبع للغة الحوار عند الكاتبة في قصصها،
والتي لجأت فيه لإدخال اللغة العامية المصرية، اللهجة المستخدمة في الشارع والبيت
المصري، خاصة عندما يتحدث الأطفال مع آبائهم والعكس، وهنا توظيف لتلك اللغة جاء في
محله، لأنه إذا استخدمت الكاتبة الفصحى في مثل هذا الحوار، سوف تكون قد نقلت شيء
لا يحدث في الحقيقة، أو كأنها (تدبلج) مشاهد من حياة المصريين، كدبلجت أفلام
الكرتون الأجنبية التي تعرضها قنوات الأطفال الفضائية. ومثلا على ذلك:
·
حوار الأم مع أطفالها في قصة "شاهد
ماشافش حاجة" فقد اختارت الكاتبة عنوان القصة والحوار بين الأبناء والأم
باللهجة العامية، فالقصة كلها عبارة عن مشهد من يوميات أسرة مصرية، كالمشهد من
مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" لـ عادل إمام، والذي كانت تشاهده الأم كنوع
من الترفيه عن النفس، ولكنها عندما سمعت عبارة (لو كل واحد ساكن تحته رقاصة ساب
البيت يبقي كل المصريين هيعزلوا) غمت وأغلقت التلفاز وعاودت البكاء.
·
اللغة الشعرية: جاءت قصة "أتراه المعتصم..؟" بلغة
شعرية، وكأنها قصة شعرية نثرية، لتصف حال سُكان الريف السوري تحت قطف جيش بشار
الأسد، والبيت تسأل أمها متى يأتي المعتصم وتصرخ وتناديه ...ومعتصماه..، وهذه
القصة تثبت أن الكاتبة ليس قاصة وفقط بل وشاعرة أيضا. وبلغة شعرية تقول في قصة
(قرار): "لا يشترك في حوار، ولا يهتم بما صار، بصره موجه دائماً إلى
الجدار".
الطبيعة والأصالة المصرية:
تصور لنا الكاتبة بشكل رائع مشهد الحقول
في الريف المصري أثناء ضم محصول القمح، ولعب الأطفال في التبن المخزن، وشجرة التوت
الأبيض الذي يحب أكله الأطفال ويستظل تحت أوراقها الكبار للصلاة والاسترخاء،
وذكرتنا الكاتبة بما كان يحدث بالقرية المصرية أيام الفيضان قبل بناء السد العالي
وحجز المياه؛ وذلك خلال تذكر الست (فاطمة) لما حدث لها وهي طفلة مع جدها، في قصة
(جدها والطين)، فذكرت الكاتبة على لسان فاطمة معلومة علمية عن الاستخدام الطبي
للطين الذي كان يضعه جدها على الجروح واللدغات الجلدية كتصرف فطري منه نابع من
موروث حضاري قائم على علم، والذي اكتشفت بعد مرور عشرات السنين من خلال القراءة
والإطلاع بأن الطين به من العناصر ما هو مضاد حيوي للجراثيم ومطهر للجروح.
جاء
تقرير طبي حديث يؤكد أن بحوثاً أجريت مؤخراً أثبتت إمكانية تصنيع نوع من المضادات
الحيوية المقاومة للبكتيريا من الطين. وأوضح التقرير أن الباحثين أجروا تجارب في بعض
المناطق الفرنسية، وتبين لهم أن استعمال الطين يساعد على قتل 99 بالمائة من
مستعمرات "البق" خلال يومين فقط، وبين أنه بإمكان الطين القضاء على
البكتيريا القاتلة من نوع "السالمونيلا"، طبقاً لما ورد بجريدة
"عمان اليوم"، مما يساعد على إنقاذ حياة آلاف الأطفال في غرب أفريقيا
والبلدان التي تنشر فيه هذه النوعيات من البكتريا. وبحسب العلماء فإن المضاد الحيوي المشتق من
الطين من الممكن أن يحل محل البنسيلين وهو ما قد يشكل ثورة صحية.[4]
قضايا سببها الموبقات والمعاصي:
·
إشكالية تعاطي الشباب المخدرات والمسكرات على المقاهي المشبوهة؛ ثم الخروج للشوارع في المناطق التي مازالت تحت الإنشاء كالكلاب
المسعورة، والانقضاض على فتاة وأكل لحمها المسموم حتى الموت، في قصة "وليمة
من لحم مسموم"، وأجمل ما في هذه القصة فكرتها المبتكرة، فقد ضرب أحد
الكلاب الضالة السكين في قلب الفتاة، ثم طعن بها نفسه، ففر باقي الكلاب، وفي خاتمة
للقصة تدل على امتلاك الكاتبة لأدواتها الفنية في فن كتابة القصة القصيرة، تقول:
"...كشفت التحريات أن الجثتين هما... لأخ وأخت....!!، فعلا أفعل ما شئت فكما
تدين تودان، وكما قالت المؤلفة في مقدمة الكتاب "إن من أهم غايات الأدب هو
التوجيه إلى مكارم الأخلاق".
·
معصية "عقوق الوالدين أو أحدهما"؛ الابن الذي ربته أمه الريفية الفقيرة، وحصل على أعلى الشهادات ثم
تزوج من إحدى الفتيات صاحبة الجاه والمال والنفوذ، فتبوء أرفع المناصب، فبدلاً من
أن يبرها نكرها وتنكر منها، فأخفت عن أهلل القرية هذا العقوق بل وأسهبت في شرح بره
بها وحنانه عليها وكيف أنه يرسل لها دائماً ما تنفق منه ويرجوها أن تقيم معه وهي
التي ترفض لكرهه حياة المدينة، ولكن حالها يجعلهم لا يصدقونها. كل هذه الأحداث في
قصة " كفني المزمزم عند جارتي". وتظهر الكاتبة ذكاء تلك المرأة العجوز، فبرغم فقرها وقلت
تعليمها إلا أنها في غاية الذكاء والحكمة، فعندما ذهبت من عدة سنوات لمكتب ابنها
ورفض مقابلتها، فأبت أن تخرج خاوية الوفاض، فهمست لأحد العاملين في مكتبه أنها
تعمل في بيت البيه ولكنها ضيعت العنوان، فأعطاها إياه فربطته في طرف طرحتها وشعرت
أنه أعطاها كنزاً. ولأن الأمل والصبر والقدرة على الاحتمال مازال قوياً في عقلها
وقلبها كررت محاولة لقائله مرة أخرى بعد خمس سنوات، ظلت منتظرة في الشارع أمام
قصره فنادت على أبنها وهو بسيارته فمد يده وأعطاها جنيه ..فتشبثت بها..عادت
السيارة إلى الخلف فاصطدمت بها، وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تقول: الحمد لله
إنني رأيته.. أجر المقرئين منذ خمسة سنوات، وكفني المزمزم عند جارتي الطيب.
·
فساد الحكم سبباً للمرض والإهمال؛ ففي قصة "تسبيح"
تقول الكاتبة على لسان البطلة: "جاء جلوسنا في المقعد الذي يلي السائق
ملائماً لتفادي تأثير الاهتزازات الناجمة عن السير على طريق يعاني من الإهمال
الشديد، مما قد يؤثر سلباً على الانزلاق الغضروفي الذي أعاني منه". ففي داخل
هذه القصة ق.ق.ج أيضا يمكن أن نعنونها بـ(وجه الحاكم!): كلما عثرت تسبيح
على ورقة، رسمت فيها وجه شرير، وقالت هذا وجع من سجن أبي يا جدتي..بعد سنتين هتفت
تسبيح في ميدان الساعة بدمياط (يسقط يسقط حسنى مبارك) بينما هتف أبوها في ميدان
التحرير بالقاهرة (الشعب يريد إسقاط النظام)، سقط الطاغية وحكمه، ومازالت تسبيح
ترسم وجهه القبيح غير أنها أضافت هذه المرة إلى الصورة بعض القضبان. بينما في قصة
"انفصام" ترصد الكاتبة سوء أخلاق الموظف الحكومي ذو الوجهين،
الأول القبيح المهمل في عمله ومعاملته مع المواطنين أصحاب المعاملات صباحاً،
والوجه الآخر اللطيف البشوش الذي يعامل به زبائن عمله الخاص في المساء، ثم يقضي
ليله أمام إحدى قنوات القمر الأوربي.
·
فاحشة الربا، فالإثم يقع على المُقرض والمقترض أيضا، امرأة مرت
بضائقة مالية، اقترضت من امرأة أخري (سميرة) مرابية برغم حديثها الدائم عن الحلال
والحرام..والعرف والعيب..والصح والخطأ، ولباسها المحتشم. فكانت تأخذ شيكات على
المقترض بالربا، وإذا تأخر في الدفع تقاضيه في المحاكم. كان أحد الفلاح قد مرض،
فكانت المرابية تخشى أن يموت قبل أن يسدد لها الشيك الأخير، تدهورت حالته الصحية
ومات، فصرخت بالمسجد أثناء الصلاة عليه: (الميت ده مش هيدفن إلا ما يسدد اللي عليه)،
بالفعل جمع التبرعات واكتمل المبلغ وأكمل المشيعون الجنازة والدفن، ولكن الله يمهل
ولا يهمل، وأخذت ما تستحقه من عقاب الخالق عز وجل.
أدب السجون والمعتقلات:
يصنف أدب السجون
والمعتقلات تحت الأدب المنسي كأصحابه المنسيين، وهنا الكاتبة شافية معروف في
مجموعتها "آن له أن يبوح" ترصد معاناة أهالي المسجونين والمعتقلين
السياسيين بتهمة مخالفة الحاكم في الفكر والرأي، فكل معتقل زوجة وأبناء وأب وأم
وأخوة، تكتب من خلال قصصها ما يحدث لكل هؤلاء من لحظة قدوم زائري الفجر، ورحلة
البحث عنه في السجون والمعتقلات، والرحلات العصيبة لزيارته، والمعاناة الحياتية
لهم بسبب التغيب القصري، حتى العودة مرة أخرى لبيته وأسرته؛ ففي هذا الأدب من
التجارب الإنسانية الإبداعية الصادقة الحية التي تخرج من القلب إلى القلب ..
التناص القرآني:
فمسألة تصنيف هذا
الكاتب أو ذاك على حسب انتمائه السياسي أو الأيدلوجي أو الاجتماعي...الخ من
التصنيفات، أمر هامشي، لأنه في النهاية يجب أن نجيب على سؤال واحد: هل هذا الكاتب
متمكن من أدواته ولغته العربية التي يكتب بها؟ هل له أسلوبه المميز والفريد عن
الآخرين؟، ولأن القرآن الكريم هو المرجع الأهم والدستور المرجعي في البلاغة والنحو
الصرف والقص الرقي باللغة العربية. لذا جاءت الكاتبة بالتناص القرآني في الكثير من
المواضع داخل مجموعتها القصصية، مثل: (فيرتد إليهم البصر خاسئاً وحسيراً) "
إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ
حَسِيرٌ"[الملك آية: (4)]؛ (أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً) "ليَقْضِيَ
اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً"[الأنفال آية: (42)].
نهنئ القاصة
بمناسبة صدورها, وننتظر منها المزيد في مجال الكلمة التي تساهم في الرقى الأدبي
وتسمو بالأخلاق الحميدة.
قراءة ودراسة
بقلم/ محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث وقاص وناقد وخبير تنمية بشرية
[2] حسين عيد: "إشكالية اختيار عنوان مجموعة قصصيّة"، مجلة
اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة، 24 نوفمبر 2011.
[3] بقلم القاص/ محمود سلامة الهايشة: موقع الألوكة، تاريخ الإضافة: 23/6/2010 ميلادي - 11/7/1431
هجري http://www.alukah.net/Literature_Language/0/22956/
[4] مروة رزق: "ما أجمل العودة للطبيعية: قريبا..تصنيع
مضادات حيوية من الطين"، شبكة الإعلام العربية "محيط".
تعليقات
إرسال تعليق