عاشق في بؤبؤ العينين يبتهل بصلاة الوجد: شعر حر على تفعيلة الخبب
عاشق في بؤبؤ العينين يبتهل بصلاة الوجد
شعر حر على تفعيلة الخبب
(( صلاة الوجد ))
عيناكِ
صلاة الوجد.
ومحرابٌ الأنفالِ سُجودي
فردوس الحب
ونبض الخلد الموعود
العشق حين يعانق الأرواح النقية يجعلها تفترش بساط الوجد فيسمو بها
إلى علياء السماء لتسكن فردوس المحبة فتشاهد كل ما حولها رائع وجميل وتتنفس عطر
الحياة كي تبتهل في محراب المشاعر وتغرد بأعذب الألحان ويجعل من مدارات العيون
محراب للصلاة ومن ورد الخلود سجادة لأداء نافلة الشوق وتهجد نبضات الحنين.
عيناكِ
دليلٌ حلَّ على البرهان
ودقًت
اجراس كنيسة عيسى
تعلن في نبأ التوحيد
فَرتل في احقاب جفونك
رهبانٌ نغمَ التشهيد
أسرار العشق والعشاق تكمن دائما في أفلاك العيون فهي المنظار
المرئي لخلجات القلوب وهي شاشة العرض لما يدور بداخلنا من أفكار وحوارات . ما أروع
وأجمل تعبير الشاعرة هنا بوصف تلك العيون بأنها دليل جعلها تتيقن من حقيقة التوحد
العشقي فكان الترتيل رهبان يردد نغم التشهيد . وبرغم أن للعيون جفون ورموش وحواجب
تسترها إلا أنها في لحظات العشق تكون فضاحة ونشاهد كل شيء من خلالها .
عيناكِ
تموج بقارب سفّانٍ
ضيّعَ أشرِعَة التجديف
ببحرهما المسحور
فهام يناجي بؤبؤ لحظك
في صلوات التسهيد
نظرات العين تداهم القلوب كالقارب الذي يبحر دون مجداف أو أشرعة
يحاول الوصول إلى بر الأمان وهكذا الحال حين تداهمنا نظرات العيون نحاول التشبث
بها لأنها طوق النجاة ومرساة الروح حين نبحر في محيطات العشق . حالة فريدة من
حالات الشوق العذري تفردت بها الشاعرة بالتوظيف الدقيق والتعبير عما يحدث للعاشق
من تأثير تلك النظرات ولقد راقت لي جدا جملة ( بؤبؤ لحظك ) وما أروعها حين أكملت
وصفها بالمناجاة . نحن أمام شاعرة متميزة تعرف جيدا كيف تشاكس قلمها وتداعب حروف
الهجاء فتقطف من ثمارها أجود ما تحمل أغصانها .
عيناكِ
رموش كالوتر الشادي
وانين الناي المبحوح
بصحراءِ تناهيدي
في قلبي يعزف لي
لحن الأسحار المنشود
والنجم
تمايل في احداقك
يجذبني طوفان
في بحر الهذيان فيغرقني
كبساط من عمق البهتةِ
يحملني
لجنان العشق المحسود
وسكنت
جحيم عيونكٖ
أطلب لذةَ تعذيبي
أَوَليسَ
لهيب الاحداق الفتان
كفردوس الخلد المرغوب
وسكرة خمر يقطر
من عنقود الاعناب الممدود
سلسلة متواصلة ومتلاحقة كجبال الألب تحمل بين طياتها إبداع متطور
وصور شعرية جديدة وكل صورة من تلك الصور لها رونقها الخاص لأنها رسمت بريشة عبقرية
وألوان الطبيعة الذاخرة بزهور الفردوس . العيون تعزف ألحانها على وتر الرموش الذي
يشبه الناي النابض بحلاوة الصوت والقلب يعزف لحن الأسحار المنشود الذي تشتاق
وترتاح إليه الروح حالة من المد والجزر وأصوات برق ورعد تموج هنا وهناك من خلال
نغم الحروف التي تأخذنا لنعايش حالة عشق نادرة . عمق فلسفي ونمط جديد للحداثة
الشعرية وعناقيد من أغصان البلاغة والإتقان اللغوي .
عيناكِ
مِزاج الكافور
ونبعٌ يسقي احلامي
فنعيم الحب بوجداني
قد أنعشَ قلبي المسعودِ
آهٌ من وجدك حبي
هزّ عروش جلاميدي
وجهلت دعاء تعاويذي
فركعت هويتُ سجوداً
في بحر عيونك
رمت رضاك المحمود
ينتهي بنا المطاف وتصل الرحلة إلى مرافئ الفردوس وجنات النعيم
الأبدي للأرواح الهائمة ومازلنا نطوف مع العيون الساحرة لنشاهد ما فعلته بالقلوب .
تلك العيون صارت النبع الساقي لخمرة الشوق وصارت طلاسم السعادة والبهجة وبساتين
وحدائق النعيم الأزلي للعشاق . فالوجد الذي هز العروش وجعل الأفئدة تهجر كل ما لذ
وطاب من أجل لحظة عشق واحدة وجعلها تركع وتهوي لتسجد في بحر تلك العيون وتنسى
وتجهل التعاويذ من أجل نيل الرضا فما أجمل وأروع ذائقة الشوق وتمتمات الحنين
ودندنات الأوردة والشرايين للاحتفاء بمعشوقها بألحان الغرام السرمدية ... تحية
تقدير للشاعرة المبدعة الأستاذة ليان عامر ، على هذا النص البديع والراقي والمدجج
بالصور الشعرية وجواهر البلاغة .
رؤية تحليلية
الشاعر والناقد المصري الأستاذ
/ جلال أمين
تعليقات
إرسال تعليق