قراءة في "غادة آخر الليل" للكاتبة دعاء بركات
قراءة في "غادة آخر الليل" للكاتبة دعاء بركات
كما هو معروف بأن القصص القصيرة المنشورة على
منصة موقع بتانة، ضمن الدوري الثقافي المصري الذي يقيمه الموقع لعام 2017، هي قصص ونصوص
مازالت في طور قبل طباعتها في صورة كتاب مطبوع، لذا يعد التعامل معها نوع من أنواع
النقد التكويني، أو التوليدي، أو الجيني، بمعنى أنَّ هذا النقد يَرصد مُختلف
المراحل الجينيَّة التي يتكوَّن من خلالها النص، ويتولَّد عَبرها العمل، قبل أن
تُحَوِّله المطبعة إلى مُنتج فكري وثقافي جماهيري.
والقصة التي نقوم بقراءتها وعرضها وطرح رؤيتنا عنها في هذا المقال، هي قصة القاصة "دعاء بركات" والتي حملت عنوان "غادة آخر الليل" http://www.battana.org/Participation_Details.aspx?index=2lBnjkILXSY=
والقصة التي نقوم بقراءتها وعرضها وطرح رؤيتنا عنها في هذا المقال، هي قصة القاصة "دعاء بركات" والتي حملت عنوان "غادة آخر الليل" http://www.battana.org/Participation_Details.aspx?index=2lBnjkILXSY=
جاء عنوان القصة "غادة آخر الليل"
مناسب جدا من حيث الجدة والتركيب والابتكار والعلاقة بينه وبين مضمون القصة
وادواتها من (زمان ومكان وشخصية) واتفاقه مع الجو النفسي العام للقصة ....الخ. وهذا
ما فعلته الكاتبة ومن الفقرة الأولى بقصتها، فتقريبا رسمت مسرح القصة من حيث
الزمان والمكان والشخصية، إذ كتبت: (صحيح ان الليلة لاتزال بأولها ولم ينتصف الليل في ساعته بعد)؛ واستكملت
(الغادة الحسناء التي
تظهر امامي لا أدري من أين .. ولا كيف ... كيف تتواجد امرأة في مكان كهذا ؟! كيف
تسير فتاة في هذه الصحراء الخالية إلا من الانفجارات .. ورائحة الموت ، وأرض تسبح
في الدماء )،
فالزمكانية بالقصة (في
ظلام صحرائي).
وبرغم أن القصة بقلم نسائي، إلا أن البطل
الراوي هو رجل، بالتحديد جندي من جنود خدمة الحراسة الليلة داخل كتيبته الصحراوية.
حيث دار الصراع بين قوة السلاح ومقاومة جمال الغادة الحسناء، بين واجب الالتزام
بالحراسة والخدمة وبين الطموحات الذكورية اللعينة، أي صراع العقل
الواعي واللاواعي، أو بالأحرى الصراع الأبدي بين العقل والمسئولية والنفس بما تهوى.
بسلاسة اللغة جاء الصراع داخل القصة بنوعيه
الداخلي والخارجي، "في
الظلام بصمت مشهداً كجزء من متحف تراصت فيه التماثيل القديمة الحاملة للسلاح التي
مات أصحابها منذ زمن .. وانا حقاً أشعر أننى تمثال في زاوية متحف قديم. فقط
بحضورها توهمت في إمكانية بث الروح في الصنم فيتحرك ويشعر . وهي لم تأتِ .. وانا
لن أغادر مكاني". فالحوار داخل القصة بسيط، وقد جاء لخدمة القصة، وهو
حوار داخلي بين الراوي ونفسه، بالتحديد بين عقله وضميره. وقد مزجت الكاتبة دعاء
بركات بين البعدين الجسدي والنفسي للشخصية داخل قصتها، فقد ضفرت بين ما يدور داخل
نفسية الشخصية وما يطرأ عليها من سلوكيات وحركات جسمية.
وقد كان الهواء والرياح كبطل من أبطال
الطبيعة الصحراوية الليلية، ("ثوبها الأبيض يتطاير مثل شعرها من بعيد"....
"شعرها يتطاير في سرعة أكبر مع اشتداد الرياح في هذه الليلة"). حيث الفضاء في اللغة: (ما اتسع من الأرض –
والخالي من الأرض و- من الدار: ما اتسع من الأرض أمامها) [ابراهيم مصطفى، أحمد حسن
الزيات: المعجم الوسيط، ص694]، والمكان في اللغة: (الموضع، والجمع أمكنة وأماكن...
والميم في المكان أصل كأنه من التمكن دون الكون، والمكان مذكر) [ابن منظور: لسان
العرب، المجلد الثالث عشر (ن-هـ)، دار صادر بيروت، ص365].
لو قسمنا القصة إلى ثلاثة أجزاء بالتساوي،
فأول ثلثين كانت القصة هادئة حالمة رومانسية، وبمجرد أن انتصر هذا الجندي الواقف
في خدمته العسكرية على نفسه وهواه، وتمسك بسلاحه والأرض الواقف عليها، إلا وتحولت
القصة في الثلث الأخير أو المشهد الأخير فيها وفي خلال دقائق معدودة إلى ساحة
للحرب والقتال، وتحولت السماء من الظلام الدامس إلى هالة من النور، نور النيران،
عندما هاجم الكتيبة عشرات السيارات التي تحمل العناصر الارهابية الخطرة والمدافع
والمعدات والأسلحة الحربية الثقيلة.
فكرة القصة رصد حياة الشهداء من الحراس
الساهرين على حفظ الأمن والأرض والعرض خلال الثلاثة أيام أو الثلاثة ليالي الأخيرة
من حياتهم، حتى الوصول لساعة الشهادة وارتقاء الروح للسماء، والتي لا تتعرض لنفس
مراحل واعراض الموت العادية التي تعلمها الإنسان طوال حياته، صحيح قد مات الجسد ولكن
الروح مازالت في السماء الدنيا قريبة جدا من الجسد تسمع وتشاهد كل شيء حول الجسم
المصائب، والذي يظهر للأحياء بأنه ميت لا روح فيه!، بالطبع أتت الفكرة للكاتبة من
كثرة الأخبار التي تحيط بنا هنا بمصر خلال السنوات الأخيرة وخاصة معسكرات وكتائب
الجيش والشرطة بأرض الفيروز .. سيناء الحبيبة، وسقوط عشرات الشهداء من الجنود
والضباط على مدار العام. فالقصة هي رحلة الصعود من الأرض إلى السماء، رحلة الشهيد
للوصول إلى الجنة بصحبة إحدى الحور العين، وتختتم القاصة دعاء بركات قصتها بكلمة
واحدة، وهي الإجابة على السؤال، لتنتهي القصة وينتهي الحوار، وهي (اطمئن). واعتقد
أن الكاتبة استطاعت من خلال الفكرة والمغزى أن تصل للهدف المراد إيصاله للقارئ من
خلال القصة.
قراءة
وتحليل:
تعليقات
إرسال تعليق