تاريخ التصوف في الإسلام-1- بقلم د. أحمد الزلوعي

تاريخ التصوف في الإسلام-1- بقلم د. أحمد الزلوعي


التعريف بالتصوف:
يمكننا تعريف التصوف بأنه اتجاه إنساني يستهدف الوصول إلى الحقيقة المطلقة عن طريق الرياضات الروحية. وهو تعريف نتوخى فيه أقصى ما يمكننا من الايجاز والحذر اعتمادا على أننا نجمل ما سنحاول تفصيله مع الأخذ في الاعتبار أن لب التجربة الصوفية لا يمكن وصفه لغويا بشكل دقيق, وهو ما عبر عنه أصحابها فى غير موضع لعل أشهرها قول النفرى ( إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ). لكن العبارة لا تضيق إذا كان هدفنا فى مبحثنا هذا رصد أسس الفكر الصوفي وتطوره التاريخي وجذوره في الإسلام وغيره من الحضارات وما إلى ذلك من أمور موضوعية لابد للبحث فيها من نتيجة وإثمار.
لقد تعددت تعريفات التصوف على لسان المتصوفة إلى درجة أنها تعدت الألف, وقيل الألفين و لكن الحقيقة أنها كلها تعبيرات مختلفة تدور فى مدار واحد؛ فنجد الجنيد المعروف بشيخ الطائفة يعرف التصوف بأنه ( هو أن يميتك الحق عنك, ويحييك به) 1 أما سمنون المحب فيقول ( أن لا تملك شيئا, ولا يملكك شيىء ) 2 , ويعرفه أبو الحسين النورى بانه ( ترك كل حظ للنفس ) 3 , ويصف الهجويرى الصوفي بأنه ( الفانى عن نفسه والباقي بالحق قد تحرر من قبضة الطبائع واتصل بحقيقة الحقائق ) 4 . ولا ينبغي التعامل مع كل هذه الأقوال على أنها تعريفات بالمعنى الأكاديمي بقدر ما هى مقاربات لوصف التجربة الصوفية التي تختلف من شخص إلى آخر.

منشأ اسم (الصوفية)
أرجح الأقوال فى ذلك أنه نسبة إلى الصوف الذى حرص المتصوفون على لباسه علامة على الزهد والتقشف. لقد انتشر معنى ملبس الصوف فى الثقافة الاسلامية بما يفيد الخشونة والفقر وسوف يصبح اسم ( الفقراء ) علما على المتصوفة لاحقا . وجاء أن عمرا قال فى رثائه للرسول صلى الله عليه و سلم (ولبستَ الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك ووضعت طعامك على الارض ولعقت أصابعك تواضعا منك) 5 . وتناقلوا أن عيسى عليه السلام كان يلبس الصوف , وورد عن الحسن البصرى قوله ( لقد أدركت سبعين بدريا كان لباسهم الصوف ) 6 وذكر الثعالبى فى كتابه كنايات الثعالبى أن الصوف شعار الصالحين . ولكن تخريجات مختلفة للاسم وجدت ورغم ظهور اصطناعها إلا أنها تلقى الضوء على صورة الصوفية فى الوجدان الجماعى من خلال سمات بعينها اشتهروا بها فمثلا:

أ‌- النسبة إلى القيام بالمناسك والاعتكاف
تدل عليها قصة النسبة إلى الغوث بن مر الذى عاش في الجاهلية التي أوردها ابن الجوزى ( كانت الإجازة بالحج للناس من عرفة إلى الغوث بن مر بن أد بم طابخة ثم كانت فى ولده وكان يقال لهم صوفة ) ويورد أن أباعبيدة قال (وصوفة وصوفان يقال لكل من ولى من البيت شيئا من غير أهله أو قام بشيىء من أمر المناسك ) 7 وروى الكلبى أن سبب تسمية الغوث بن مر باسم صوفة أن أمه كان لا يعيش لها ولد فنذرت لله إن رزقها به لتعبدنه للبيت فلما كان وضعت على رأسه صوفة وألزمته البيت.
 
ب – النسبة إلى الحكمة بما تؤديه كلمة (سوفى) اليونانية 
وإليها تنسب تسمية الفلسفة ( philosophy ( بمعنى محبة الحكمة, وقد تبنى هذا الرأي بعض المستشرقين, و لكن العالم البيرونى كان أول من ذكره قديما.

ج – النسبة إلى الفقر والاعتكاف على العبادة ( أهل الصفة):
وأهل الصفة قوم من فقراء المهاجرين الى المدينة من مكة و غيرها و لم يكن لهم فيها من ينزلون عليه فنزلوا المسجد النبوى ولما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى اتجاه الكعبة ألفى الرسول صلى الله عليه و سلم القبلة القديمة وجعل فوقها صفة أى مظلة أو عريش فآوى اليها الفقراء وكان منهم بعض المدنيين الذين فضلوا الانضمام اليهم رغم أن لهم دورا فى المدينة وقد عدد أبو نعيم فى حلية الأولياء أهل الصفة بأسمائهم وكان من بينهم أبو ذر الغفارى وحذيفة بن اليمان وأبوهريرة وكعب بن مالك الأنصارى و غيرهم من الصحابة .

د - النسبة إلى الصفاء : وهى الحال التي ينشها الصوفية عبر مجاهداتهم.
ولا يخفى أن نسبة لفظ (الصوفية ) فيما سبق كله تدور حول سلوكيات أساسية اشتهر بها المتصوفة على مدار تاريخهم تلك السلوكيات التي سنتناولها بالتفصيل في المقال القادم.
الهوامش:
1.      الرسالة القشيرية ص 126
2.      اللمع للطوسى ص 47
3.      طبقات السلمى ص 3
4.      كشف المحجوب للهجويرى ص 231
5.      إحياء علوم الدين للغزالى ج1 ص 320
6.      محاضرات الاصبهانى ج2 ص 158 
7.      تلبيس إبليس لابن الجوزى ص 161


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كافوزال Cafosal لتنشيط التمثيل الغذائي – حقن للاستعمال البيطري

راكومين..غلة وجبة شهية لقتل الفئران