تسوية البطاطا بالبخار!
تسوية البطاطا بالبخار!
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
نعَم البطاطا، البطاطا الحلوة، وليست البطاطس.
لا تظنُّوا أننا بصدَد موضوع في الطَّهي، ولكننا
سنَطهو البطاطا من خلال وجودنا بمعمل الميكروبيولوجيا؛ حتى تَعظُم الاستفادة من
الوقت والجهد والمال، وحتى يَعمل الباحث في جو مليءٍ بالجد والتعب، فهو في حاجة
ماسَّة للطاقة، فكما أن جميع الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والفطريَّات تحتاج
للطاقة للقيام بوظيفتها ونموِّها، أيضًا الإنسان الذي يبحث عنها وفيها يحتاج هو
الآخر للطاقة التي يحصل عليها من الطعام.
وكما نعلم فإن البطاطا من المأكولات اللَّذيذة
جدًّا المحببة للكثيرين، والمحتوية على نسبةٍ عالية من السكريات التي تُكسب
الإنسان سُعراتٍ حراريةً مرتفعة، بالإضافة إلى الألياف التي تُشعره بالشِّبع، وهي
من الخَضراوات الدَّرنية رخيصة الثمن نسبيًّا بالمقارنة بباقي أنواع الخُضَر.
وحتى يستطيع الباحث التعامل مع الميكروبات بالكشف
والعزل والتصنيف؛ فلا بد من جعل المواد والأدوات خاليةً تمامًا من جميع الكائنات
الحية الدقيقة بحالتَيها الخُضرية أو المتجرثِمة؛ وذلك عن طريق عملية التعقيمSterilization.
لماذا استخدام الرطوبة مع الحرارة أثناء التعقيم
أفضلُ من الحرارة الجافة؟!
1-
لأنها تَزيد من النشاط الحيوي للميكروب، فيسهل
التأثير عليه.
2-
تُساعد على تخلُّل الحرارة لجسم الميكروب وتأثيرها
على البروتوبلازم فتُتلِفه.
3-
يجب استخدام درجة حرارة أعلى ولمدَّةٍ أطول عند
استخدام الحرارة الجافة في التعقيم، عنها في حالة استخدام الحرارة الرطبة.
المعقم بالبخار تحت ضغط:
يستخدم في عملية التعقيم بالبخار تحت الضغط
الجويِّ المرتفع جهازُ الأوتوكلاف Autoclave، ويستخدم في تعقيم البيئات
والموادِّ التي تتحمل مكوِّناتُها درجاتِ الحرارة المرتفعة دون تغيُّر في خواصِّها
الطبيعية والكيمياوية؛ مثل: بيئات الأجار المغذِّي، والسلكا جيل، والبيئات الخالية
من السكريات، كما يُستخدم في تعقيم الشاش والقطن، والأقمشة والملايات، والفوط،
وسدادات وخراطيم الكاوتشوك، بالإضافة إلى عيِّنات التربة والمرشحات البكتيرية
المختلفة، وأُصُص الزرع والماء؛ بجانب إعدام المزارع الميكروبيَّة الممرِضة المراد
التخلُّص منها.
بعد هذه الوجبة من المعلومات العِلميَّة الخاصة
بعملية التعقيم الرطب تحت ضغط مرتفع؛ أين وجبةُ القائم بهذا العمل داخل المعمل؟
الوجبة هي البطاطا التي تم تسويتُها بالبخار تحت
ضغط عالٍ داخل الأوتوكلاف مع الأدوات والبيئات التي ستُستخدم في زرع البكتيريا
والفطريات؛ حيث يتم تفريغ الهواء تمامًا داخل جهاز الأوتوكلاف، وتصل درجة حرارته
إلى 121°م، ويصل مؤشر المانومتر إلى 1 ضغط جوي (ض.ج)، والمدة اللازمة لإتمام
التعقيم ما بين 15 - 20 دقيقة (أي: من ربع إلى ثلث ساعة)؛ فهذه الحرارة مع الضغط
كافيةٌ لتعقيم الأدوات والموادِّ بداخل جهاز الأوتوكلاف، كما أنها كافية لتسوية
درنات البطاطا جيدًا، فتصبح مُسوَّاة ومعقمة في ذات الوقت.
وبذا نكون قد استفدنا من أي مكان داخل الأوتوكلاف،
والاستفادة من الحرارة والرطوبة التي تحتاج إلى مصدر كهرباء متَّصل لتشغيل سخانات
الجهاز، والاستفادة من الوقت الطويل الذي يحتاجه تشغيل الجهاز؛ من تسخينه،
والانتظار حتى طردِ جميع الهواء الموجود بداخله، ثم الانتظار لوصول مؤشر المانومتر
لقياس الضغط إلى 1 ض.ج، ثم الانتظار بعد فَصل التيار الكهربائي عن الجهاز بعد
انتهاء فترة التعقيم، بترك الجهاز ليبرد، وعودة المانومتر إلى الصفر ثانية؛ لأنَّ
فتح الجهاز فجأة قبل وصول المانومتر إلى الصفر يعرِّض البيئاتِ السائلةَ الموجودة
على درجة حرارة فوق 100°م للضغط الجوي العادي إلى فورانها بشدَّة، فتندفع خارج
العبوات وتُفقَد.
وحديثًا تم تزويد أجهزة الأوتوكلاف بإمكانيات
للأمان، لا تَسمح للمستخدمين بفتحها قبل أن ينخفض ضغط الجهاز إلى الدرجة المطلوبة.
فبعد وصول الضغط إلى الصفر، افتَح صنبور البخار
بالتدريج؛ ليسمح بدخول الهواء؛ حتى يتَساوى الضغط داخل الجهاز وخارجه؛ حتى يسهل
فتحه؛ لنحصل على أدوات وموادَّ معقمة؛ لنستخدمها في المعمل، وطعام مطهيٍّ بالبخار،
ألا وهو البطاطا التي تمَّت تسويتها بالبخار تحت ضغط مرتفع.
تعليقات
إرسال تعليق