فسخ العقد الادارى قضائيا لخطأ الادارة وانواع الفسخ وشروطه واوجة الشبه بين فسخ العقد وسحب العمل للاخلال الجسيم وصوره وسلطة القضاء فى الحكم بالفسخ
فسخ العقد الادارى قضائيا لخطأ الادارة وانواع الفسخ وشروطه
واوجة الشبه بين فسخ العقد وسحب العمل للاخلال الجسيم وصوره وسلطة القضاء فى الحكم
بالفسخ
كتب: أيمن
محمد عبداللطيف :
ويكون
هذا الفسخ على صورتين وهما أما أن يكون منصوصا” عليه في العقد المبرم فيما بينها وبين
المتعاقد معها أو وجود نص في القوانين والانظمه يجيز لها الفسخ والحالة الأخرى قيام
الإدارة بفسخ العقد دون وجود نص في العقد يجيز لها ذلك .
الفسخ
المنصوص عليه
أولا” : الفسخ المنصوص عليه في
العقد:
عند
ورود نص في العقد على حق الادارة بفسخ العقد بإرادتها المنفردة فانه لا تثور أية صعوبة
في الأمر لان ذلك يعتبر تطبيقا” لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين التي دائما” ما تكون
من شروط العقود في القوانين الخاصة . وان النص في العقد الإداري صراحة على حق الإدارة
بفسخ العقد جزاء” لمخالفات معينه لا يمكن أن يجب حقها في الالتجاء إلى جزاء الفسخ في
حالة ارتكاب المتعاقد معها لمخالفات أخرى غير تلك المنصوص عليها في العقد وذلك لان
الإدارة
لا تستمد حقها في توقيع الجزاء على المتعاقد المخالف من نصوص العقد وإنما تستمدها من
طبيعة العقد الإداري فالإدارة لا تستطيع أن تتنازل عن سلطتها تنازلا” كاملا” أو جزئيا”
وكل ما لهذه الشروط من اثر ويظهر ذلك في حالة الحكم بالتعويض عن الأضرار التي تصيب
المتعاقد نتيجة لإخلال الإدارة بالتزاماتها التعاقدية .
ثانيا” : الفسخ المنصوص عليه
في القوانين والانظمة :
قد يرد
النص على حق الإدارة في نصوص القوانين واللوائح التي تخول الإدارة حق فسخ العقد الإداري
في حالات عديدة ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في المادة 15/5 من دفتر عقد المقاولة الموحد
الأردني والتي نصت على انه( يحق لصاحب العمل أن ينهي العقد في أي وقت لما يخدم مصلحته
، بحيث يصدر إشعارا بذلك إلى المقاول
، ويعتبر
الإنهاء نافذاً بعد مرور (28) يوماً من بعد تاريخ تسلم المقاول للإشعار المذكور ، أو
من تاريخ إعادة ضمان الأداء إليه من قبل صاحب العمل ، أيهما لاحق ، إلا انه لا يحق
لصاحب العمل أن ينهي العقد بموجب هذه ” المادة ” ليقوم بتنفيذ الأشغال بنفسه أو للترتيب
لتنفيذها من قبل مقاول آخر)
وتعليمات
تنظيم اجراءات العطاءات لا تجيز للمتعهد ان يتنازل لاي شخص اخر عن او أي جزء من العقد
دون الحصول على اذن خطي من لجنة العطاءات التي احالت العطاء مع الاحتفاظ بكامل حقوق
الدائرة المستفيده من العطاء وفقا” لقرار الاحالة والعقد الاصيل .
وما
ورد في التشريع المصري في المواد رقم 27 ، 288 من القانون رقم 9 لسنة 1983 والتي تخول
الإدارة حق فسخ العقد الإداري في حالات عديدة كما ورد النص على حق الإدارة في الفسخ
في نصوص لائحة المناقصات والمزايدات الجديدة .
وقد
ورد في التشريع السوري في الوثائق التي تحكم العقود العامة عندما يوجد مركز المتعهد
مشوبا” موضوعيا” بأحداث مختلفة يمكن أن تؤدي بالشخص العام لان يتساءل حول ملائمة الحفاظ
على العلاقات العقدية وقد نصت المادة 62 من المرسوم التشريعي 228 لعام 1969 على أمثال
هذه الحالات وهي :وفاة المتعهد إذا كانت مؤهلاته محل اعتبار في التعاقد ، إفلاس المتعهد
، التصفية القضائية
والجدير
بالذكر انه واستثناء” من مبدأ ضرورة الوفاء الشخصي بالالتزام التعاقدي فان المادة77
من اللائحة التنفيذية لقانون المزايدات والمناقصات المصري نصت انه إذا توفي المتعهد
أو المقاول للإدارة فسخ العقد مع رد التأمين أو السماح للورثة بالاستمرار في تنفيذ
العقد المبرم مع مورثهم إذا رأت أن هذا التنفيذ ما زال ممكنا رغم وفاة المتعاقد بشرط
أن يعينوا وكيلا” عنهم بتوكيل مصدق على التوقيعات فيه وتوافق عليه السلطة المختصة وإذا
كان العقد مبرما مع أكثر من متعهد أو مقاول وتوفي احدهم فيكون لجهة الإدارة الحق في
إنهاء العقد مع رد التأمين أو مطالبة باقي المتعهدين بالاستمرار في تنفيذ العقد .
الفسخ
غير المنصوص عليه
الفرع الأول: سلطة الإدارة بالفسخ
بدون خطأ المتعاقد:
إن من
أهم الخصائص التي تميز العقود الاداريه عن العقود في القانون الخاص هو منح الإدارة
سلطة إنهاء الرابطة التعاقدية بإرادتها المنفردة ودون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء
حتى ولو لم يرد به نصا” يخولها ذلك .
ويسري
حق الإدارة في إنهاء العقد الإداري بإرادتها المنفردة على كافة العقود الإدارية فبوسعها
إنهاء عقد الأشغال العامة بإرادتها المنفردة إذا رأت أن ذلك من مقتضيات المصلحة العامة
وان تنفيذها لهذا العقد أصبح غير ضروريا” والقضاء الإداري اعترف للإدارة بحق إنهاء
عقود الالتزامات متى اقتضت ذلك مصلحة عامه اضافه إلى إنهاء عقود التوريد متى قدرت أن
هذا ما يقتضيه الصالح العام . (1) أن هذه السلطة الإدارية بإنهاء العقد قبل أوانه قد
اعترف بها الفقه بصوره عامه منذ زمن طويل وإذا كان قد شكك بها بعض الباحثين وان كان
قد جرى انتقاد ذلك بالنسبة لبعض العقود مثل امتيازات المرافق العامة ففي رأي الفقيه
(بينوا) فانه يعترف بوجود سلطة الفسخ من جانب واحد بدون جدال ، وفي رأي ( بودلير )
أن سلطة الفسخ هذه توجد كقاعدة من قواعد القانون العام للعقود الاداريه وقد كرست في
عدد من القرارات الاداريه بالطريقة الأكثر وضوحا” في اجتهادات مجلس الدولة الفرنسي
. (2)
الفرع الثاني : الأساس القانوني
لسلطة الاداره بالفسخ بدون خطأ :
الفكرة
العامة التي تبرر وجود تلك السلطة هي أن الاداره ينبغي أن تتمكن رغم الشروط الاتفاقية
من وضع نهاية للعقود التي أصبحت غير مجديه أو غير متلائمة مع حاجات الهيئات وذلك مع
الاحتفاظ بحق المتعهد في التعويض ، فلا يسوغ أن تكون ملزمه بأن تستمر بتلقي تأديات
غير مفيدة أو لم تتوافق مع سياستها الراهنة فهذه السلطة ليست إلا مظهر من مظاهر سلطة
الإدارة بتعديل العقد الإداري فيجب هنا الاستناد على أساس مماثل للأساس الذي تستند
إليه الاداره في سلطه التعديل من جانب واحد وهذه السلطة بالرغم من اختلاف وجهات نظر
الفقهاء عند عدم وجود نص في العقد حيث انقسم الفقه الفرنسي في هذا الشأن إلى ثلاثة
اتجاهات أولها ينكر إعطاء الاداره حق تعديل عقودها الاداريه ، وثانيهما يؤيد إعطائها
هذا الحق وهو الرأي الراجح وثالثها اتخذ مذهبا” وسطا” بقصر حق التعديل على عقدي الأشغال
العامة والتزام المرافق العامة دون سواها(1) . والرأي الراجح في الفقه المصري يقوم
على تأييد حق الاداره في تعديل العقود الاداريه حتى ولو لم ينص على ذلك في العقد أو
دفاتر الشروط (2) فمنهم من يرى أن إنهاء الاداره لعقودها الاداريه يقوم على فكرة الصالح
العام ، ومنهم من يرى أنها تقوم على فكرة السلطة العامة وامتيازات القانون العام ،
ومنهم من يرى أنها تقوم على أساس مزدوج يجمع بين الأساسين السابقين :
أساس الصالح العام:
بعض الفقهاء أسس سلطة الإنهاء بالإرادة
المنفردة للعقود الاداريه تقوم على ضرورات الصالح العام ومقتضيات حسن سير العمل بالمرفق
العام وانتظامه فقد يظهر بعد التعاقد أن المرفق العام لم يعد في حاجه إلى هذا العقد
وعليه فمن مصلحة المجتمع إنهاء العقد الإداري الذي أصبح يتنافى والمصلحة العامة ، كما
أن المرفق العام والذي يجب أن يعمل بانتظام وباضطراد تحت إشراف الدولة لسد الحاجات
العامة مع خضوعه لنظام قانوني معين ومن القائلين بهذا الرأي الأستاذ ( بينكو ) الذي
يرى أن للإدارة الحق في فسخ عقودها إذا اقتضى ذلك الصالح العام لأنه من غير المقبول
أن يصبح العقد حائلا” بين الاداره وبين تحقيق أهدافها وتأمين المنفعة العامة ، ويرى
الأستاذ ( بينوا ) أن سلطة الإدارة في فسخ العقد الإداري تستند إلى مصلحة المرفق العام
التي تقضي إنهاء العقود التي أصبحت غير متلائمة مع احتياجات المرفق العام أو التي أصبحت
تشكل عبئا” ثقيلا” عليه . ويرى الأستاذ الدكتور سليمان الطماوي أن للإدارة الحق بإنهاء
عقودها الاداريه إذا أصبحت غير ذات فائدة للمرفق العام أو أصبحت لا تحقق المصلحة العامة
المنشودة . (3)
2- أساس فكرة السلطة العامة وامتيازات
القانون العام :
فكرة
السلطة العامة تشمل كل نشاط إداري تمارسه الاداره مع استعمالها لوسائل القانون العام
غير المألوفة في القانون الخاص ، وعلى الاداره باعتبارها سلطة عامه مكلفه خارج وفوق
كل عقد بان تراعي دائما” ضرورات المصلحة العامة وترجحها دائما” على مصلحة الأفراد الخاصة
(1) وأنصار هذا الرأي يرون أن السلطة التي تتمتع بها الاداره في الإنهاء للعقود الاداريه
بالا راده المنفردة إنما تقوم على الامتيازات الاستثنائية للإدارة العامة والتي من
بينها سلطتها بإنهاء العقود الاداريه بإرادتها المنفردة وهي النتيجة الطبيعية والمنطقية
لنظام السلطة العامة استقلالا” عن اشتراطات إطراف العقد ، ومن بين أنصار هذا الرأي
العميد ( فيدل ) الذي يرى أن سلطة الفسخ بدون خطأ من المتعاقد هي نظام من أنظمة السلطة
العامة تستطيع الاداره تقريره بالا راده المنفردة وان الفسخ لا يجوز أن يصدر إلا لأسباب
تتعلق بالصالح العام . ويؤيد الدكتور احمد عثمان عياد هذا الاتجاه حيث يرى أن سلطة
الاداره في إنهاء عقودها الاداريه تقوم على فكرة الصالح العام ومقتضيات المرافق العامة
فالا داره تمارس هذه السلطة في مجال العقود الاداريه عن طريق استعمال امتيازاتها في
إصدار القرار التنفيذي ، وفي التنفيذ المباشر أما فكرة الصالح العام أو مقتضيات المرافق
العامة فهي تصلح شرطا” لممارسة هذه السلطة أكثر منها أساسا” قانونيا” لها . (2)
3- الأساس التوفيقي:
يرى
أنصار هذا الرأي أن سلطة الاداره في إنهاء العقد الإداري إنما تستند على فكرة امتيازات
القانون العام التي تحتفظ بها الاداره في العقد إلى جانب فكرة الاحتياجات الخاصة بالمرفق
العام ومن الفقهاء الفرنسيين المقررين لذلك الأستاذ (DELAUBADERE) والفقيه (TERNEYRE) الذي قال أن للاداره
المتعاقدة أن تنهي من جانب واحد العقود التي هي طرف فيها ولو لم يجزله ذلك أي شرط تعاقدي
وذلك بحكم سلطته في المصلحة العامة وحسن تنفي\ المرافق العامة التي يتمتع فيها .
(3)
الفرع
الثالث: الطبيعة القانونية للفسخ الجزائي لعقد الأشغال العامة
اختلف
الفقه حول الطبيعة القانوني للفسخ الجزائي لعقد الأشغال العامة بالتحديد حيث اعتبرته
الاغلبية من النظام العام بينما الاقلية لا تعتبره كذلك ونعرض فيما يلي لهذين الاتجاهين
• الاتجاه
الأول : رأي الأغلبية : حيث يرى الفقيه (جيز) أن فسخ عقد الأشغال العامة يعتبر من النظام
العام ويوجد حتى في حالة عدم النص عليه في العقد ، كما يرى الفقيه (بلومان) أن الفسخ
يعتبر سلطة من النظام العام مخصصه لضمان سير المرافق العامة كما ذهب الفقيه ( ليبرانو)
إلى أن الفسخ الجزائي يوجد بقوة القانون ويعتبر جزاء من النظام العام ، والمقصود هنا
هو الفسخ الجزائي لعقد الأشغال العامة المجرد البسيط أما الفسخ الجزائي لعقد الأشغال
العامة على مسؤولية المتعاقد فلا يعتبر من النظام العام ولا بد أن ينص عليه في العقد
أو دفاتر الشروط .
• الاتجاه
الثاني : وهو رأي الأقلية ويمثله الفقيه ( بييركيو ) والذي يرى أن جزاء فسخ عقد الأشغال
العامة ليس من النظام العام ولا بد من النص عليه في العقد أو كراسة الشروط حتى يعتبر
من النظام العام .
• أما
موقف مجلس الدولة الفرنسي فان أحكامه مستقره على أن الفسخ الجزائي لعقد الأشغال العامة
على مسؤولية المتعاقد لا بد أن يكون منصوصا” عليه في العقد أو كراسة الشروط فإذا لم
ينص عليه فان الجهة المتعاقدة لا تستطيع أن توقعه على المتعاقد معها .
• ويترتب
على اعتبار الفسخ الجزائي لعقد الأشغال العامة من النظام العام جملة من النتائج وهي
11-
جزاء فسخ عقد الأشغال العامة ليس في حاجة إلى النص عليه صراحة في العقد أو دفاتر الشروط
فهو يوجد بقوة القانون
22-
لا يمكن لإطراف العقد النص على استبعاد سلطة الإدارة في الفسخ الجزائي لعقد الأشغال
العامة
33-
تملك الإدارة سلطة تقديريه واسعة في إيقاع جزاء فسخ الأشغال العامة دون الحاجة إلى
القضاء
44-
النص على بعض الجزاءات في عقد الأشغال العامة لا يحرم الإدارة من حقها في توقيع جزاء
فسخ عقد الأشغال العامة
الفرع
الرابع: ميدان تطبيق سلطة الفسخ بدون خطأ:
يرى
بعض الفقهاء أن مثل هذه السلطة لا توجد إلا في بعض أصناف العقود ، والحقيقة أن هذا
الرأي بقي ضعيفا” وان الرأي الغالب والمعتمد هو أن حق الفسخ قاعدة قانونيه عامه للعقود
الاداريه وأساس ذلك طبيعة العقود الاداريه وتميزها عن باقي العقود المدنية ، والصحيح
هو انه مع التسليم بأساس سلطة الفسخ توجد أصناف من العقود حيث لن يوجد بالفعل مجال
للفسخ لان الأساس لا يمكن إيجاده عمليا” ، وتلك هي العقود ذات الصفة التحويلية البحتة
( قرض عام …) فالفسخ لمثل هذه العقود من قبل الاداره لا يمكن أن يرمي إلا لإشباع مصالح
ماليه بحته لا تتناسب مع أساس مؤسسة الفسخ هذه ( رأي الدكتور ثروت بدوي في كتابه نظرية
فعل الأمير)ولكن مع هذا التحفظ فان سلطة الفسخ من جانب واحد يجب اعتباره كقاعدة عامه
قابله لان تجد مكانها في مختلف أصناف العقود الاداريه . (1) .
ولقد
سلم مجلس الدولة المصري في أحكامه بهذا الحق للاداره كقاعدة عامه ، تشمل جميع العقود
الاداريه ، ودون حاجه إلى نص وجعل هذا الحق مميزا” للعقود الاداريه في معظم الأحكام
ومن أحكام محكمة القضاء الإداري والمحكمة الاداريه العليا في هذا المجال :
أ- حكم
محكمة القضاء الإداري الصادر في 2 ديسمبر1952 والذي ينص ( ….أن العقود الاداريه تختلف
عن العقود المدنية في أنها تستهدف مصلحه عامه لتسيير مرفق عام ، وان كفتي المتعاقدين
فيها غير متكافئة ، إذ يجب أن يراعى فيها دائما” وقبل كل شيء تغليب الصالح العام على
مصلحة الأفراد .. ويترتب على ذلك أن للشخص المعنوي الحق في مراقبة تنفيذ العقد وفي
تغيير شروطه بالاضافه للحذف والتعديل ، وفي إنهائه في أي وقت طالما أن المصلحة العامة
المنشودة منه تستلزم ذلك ….)
ب- حكم
المحكمة الاداريه العليا الصادر في 20 ابريل سنة 1957 حيث تؤكد أن ( العقود الاداريه
تتميز عن العقود المدنية بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق الذي يستهدف العقد تسييره
، وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة …. ويترتب على ذلك أن للاداره
سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقود وان لها دائما” حق تغيير شروط العقد وإضافة
شروط جديدة بما يتراءى لها انه أكثر اتفاقا” مع الصالح العام … كما يترتب عليها كذلك
أن للاداره دائما” سلطة إنهاء العقد ، إذا قدرت أن هذا ما يقتضيه الصالح العام ، وليس
للطرف الأخر إلا الحق في التعويضات أن كان لها وجه على خلاف الأصل في العقود المدنية
…. وبتطبيق هذا المبدأ على القضية المعروضة استطردت قائله … فإذا ثبت أن البويه المتعاقد
عليها مع احد أسلحة الجيش أصبحت غير صالحه للغرض المتعاقد من اجله عليها بسبب تغيير
صنف الجلد المستعمل لأحذية الجنود ، فللاداره أن تتحلل من تعاقدها ، وتعمل سلطتها العامة
في إنهاء العقد ، مع تعويض المتعاقد عما أصابه من ضرر …) . (1)
الفرع الخامس: القيود التي ترد
على الفسخ بدون خطأ:
1- وجود
ظروف تستدعي هذا الإنهاء وان يكون أولها هو تحقيق الصالح العام فإذا رأت الاداره أن
العقد أصبح غير ذي فائدة للمرفق العام أو أضحت لا تحقق المصلحة العامة المرجوة منه
ومثال ذلك ما أوردناه في حكم المحكمة الإدارية العليا من حيث تغيير نوع الجلد الذي
تصنع منه أحذية الجيش فأصبحت البويه التي تعاقد عليها الجيش غير ذي فائدة . ومع ذلك
فان حق الاداره في إنهاء العقود الاداريه ليست سلطه مطلقه ولكنها سلطه تقديريه يجب
أن تستهدف تحقيق المصلحة العامة ومن الأسباب التي تبرر الالتجاء إلى تلك السلطة من
قضاء مجلس الدولة الفرنسي زوال الغرض الذي من اجله تعاقدت الاداره ومثال ذلك وقف القتال
الذي يؤدي إلى تخويل الاداره حق إنهاء عقود التوريد التي أبرمتها الاداره المتعلقة
بالمجهود الحربي ، ولقد التزم مجلس الدولة الفرنسي هذا المسلك عقب الحربين العالميتين
الأولى والثانية . فالا داره تستطيع إنهاء العقد عندما تشاء لان استمراره لم يعد يناسب
مقتضيات المصلحة العامة وحاجات المرفق العام فسلطة الفسخ لم تعد كمجرد مكنه أو رخصه
تقديريه لإيقاف العقد ولكي يكون الفسخ مشروعا” ينبغي بناؤه على ( باعث المصلحة العامة
) وبدون هذا يكون الفسخ تعسفيا”
2- أن
الاداره عندما تستعمل هذه السلطة إنما تستعملها تحت رقابة القضاء وللقاضي الإداري بناء
على طلب المتعاقد أن يتحرى الأسباب الحقيقية التي دفعت الاداره إلى إنهاء العقد ويكون
القرار الصادر عن الاداره بإنهاء العقد غير مشروع إذا قام على أساس غير سليم أو إذا
استهدف مصلحة غير المصلحة العامة فعلى قاضي العقد أن يتحقق عما إذا كانت الاداره قد
فسخت العقد لسبب يتعلق بمصلحة عامه وعند فقدان مثل هذا الباعث فان الفسخ لن يكون مبررا”
.
3- أن
رقابة القاضي وسلطته محدودة في الحالة السابقة فهي مقصورة على التحقق من جدية السبب
الذي استهدفته الاداره ولكن لا يمكنه التصدي لبحث مدى ملائمة إنهاء العقد للسبب الذي
قام عليه الإنهاء وهنا تختلف رقابة القضاء في هذا المجال عنها في حالة رقابة فسخ العقد
كجزاء لخطأ المتعاقد ففي الحالة الاخيره للقاضي أن يبحث مدى ملائمة الفسخ كعقوبة للخطأ
المنسوب للمتعاقد . ويلاحظ هنا أن القرار الصادر بالإنهاء ليس من اللازم أن يكون مسببا”.
ولكن هذا المبدأ طرأ عليه تعديل في فرنسا بعد صدور قانون 1979 حيث اوجب في مادته الأولى
تسبيب جميع القرارات الفردية التي تلحق ضررا” بالمواطنين ولا مقابل لهذا القانون في
مصر حتى الآن . (1)
4- إذا
ثبت للقضاء الإداري أن الفسخ كان دون باعث مشروع فان على قاضي العقد أن يبطله منطقيا”
كقاعدة عامه فيما عدا عقود الأشغال العامة فان مجلس الدولة الفرنسي يرفض إلغاء القرارات
الصادرة من الاداره بخصوصها استنادا” إلى أن الاداره هي صاحبة الأشغال وان لها مطلق
حرية التصرف بخصوصها وبالتالي فان حق المقاول يقتصر على التعويض . (2)إذن فأن حق الاداره
بالفسخ دون وجود خطاء من المتعاقد يخضع لعدة قيود وهي أن يكون الغاية من قرار الفسخ
هي المصلحة العامة وتوافر مبرر للتعديل فيشترط حتى تستطيع الاداره إعمال سلطتها بالفسخ
أن تكون الظروف التي كانت قائمه وقت إبرامه قد تغيرت عما كانت عليه قبلا إضافة لذلك
أن يكون ذلك القرار في حدود المشروعية الاداريه وعليه يتعين أن تتوافر له مقومات وأركان
القرار الإداري من حيث صدوره عن شخص مختص بإصداره وفقا” للشكل والإجراءات المقررة وفي
إطار القواعد القانونية التي تحكم الموضوع ، كما يتعين أن يكون دافع قرار الفسخ هو
المصلحة العامة ، وان يستند إلى سبب قائم يبرره يتمثل في تغير الظروف التي ابرم وقتها
العقد ، فإذا خرج قرار التعديل عن مبدأ المشروعية وقع باطلا” وبذلك يكون بوسع المتعاقد
مع الاداره أن يطعن به إمام القضاء .
(الفسخ جزاء” لخطأ المتعاقد وآثاره)
نتناول
في هذا المبحث الفسخ كجزاء وعقوبة توقعه الإدارة على المتعاقد معها عند ارتكابه لخطأ
إثناء تنفيذه للعقد الاداره ونبين مدى جسامة ذلك الخطأ واثأر انتهاء العقد نتيجة لهذا
الفسخ بمطلبين
الفسخ
كجزاء تفرضه الإدارة نتيجة خطأ المتعاقد وشروطه وأنواعه
نبين
في هذا المطلب الفسخ الذي توقعه الإدارة بحق المتعاقد معها ، نتيجة لارتكابه خطأ إثناء
تنفيذه للعقد الإداري ، والآراء الفقيه بذلك ونوضح شروط هذا الجزاء والنصوص القانونية
التي تبين مدى أحقية الاداره باستخدام هذه السلطة ، ورقابة القضاء عليها .
الفرع
الأول:الفسخ كجزاء توقعه الإدارة:
فسخ
العقد الإداري يكون في بعض حالاته كجزاء توقعه الاداره المتعاقدة على المتعاقد معها
الذي لم يعد قادرا” على الوفاء بالتزاماته التعاقدية على نحو ما ينبغي حيث يكون هذا
الجزاء نهاية” للعقد بصوره مبتسرة تفرضها موجبات تحقيق المصلحة العامة في دوام سير
المرافق العامة بانتظام وباضطراد . وهذا ما يميز الفسخ عن إجراءات الضغط الأخرى التي
تكون مؤقتة حيث انه يضع نهاية حاسمة للعقد الإداري إذ يعتبر من أسباب انقضائه .
(1)
ويمكن
إدراج الفسخ بإرادة الإدارة ضمن العقوبات الإدارية و أخطرها و المقصود بالفسخ بإرادة
الإدارة هو إنهاء الرابطة التعاقدية بدون اللجوء إلى القاضي الإداري أو موافقة المتعاقد
معها، و إذا كان القانون قد اشترط أن يذكر شرط في البيانات الأساسية نظرا لخطورته غير
أن القانون أعطى للسلطة الإدارية سلطة الفسخ كقاعدة عامة إذا ما توافرت شروطه حتى و
لو لم يدرج في بيانات العقد فإذا لم ينفذ المتعاقد مع الاداره تنذره المصلحة المتعاقدة
ليفي بالتزاماته و إذا لم يتدارك في الأجل المحدد في الإنذار يمكن للمصلحة المتعاقدة
أن تفسخ الصفقة من جانب واحد و لا يمكن الاعتراض على المصلحة المتعاقدة بفسخ الصفقة
عند تطبيقها البنود التعاقدية في الضمان .و لذلك فإن تقرير فسخ العقد من جانب الإدارة
وحدها هو مقرر لجميع العقود الإدارية بشرط توفر شروط في حدود ما يسمح به القانون و
أهم هذه الشروط إخلال خطير من جانب المتعاقد مع الإدارة.
والفسخ
هو قمة الجزاءات التي يمكن للاداره أن تفرضها على المتعاقد معها جزاء لإخلاله بالتزامه
التعاقدي ويتم فسخ العقد عادة” بقرار من الاداره باستثناء عقود امتياز المرافق العامة
التي لا يجوز فسخها إلا بحكم قضائي نظرا” لما يترتب على ذلك من أضرار بالغه للمتعاقد
مع الاداره وتستطيع الاداره فسخ العقد سواء كان منصوصا” على هذا الجزاء في العقد أو
لم يكن منصوص عليه وقد اشترط مجلس الدولة الفرنسي أن يكون هناك خطأ جسيم من قبل المتعاقد
مع الاداره حتى تستطيع الاداره ممارسة هذا الحق ، مثل وقف تنفيذ العقد ، التنازل عن
العقد أو التعاقد من الباطن دون إذن مسبق من الاداره أو الغش ، أو امتناعه عن تنفيذ
الأوامر التي تصدرها الاداره إليه ، كما أن دور القاضي في الرقابة على قرار الفسخ في
عقود الأشغال العامة محدده حيث يقتصر على تقدير قيمة التعويض للمتعاقد مع الاداره إذا
لحقه ضرر من فسخ العقد دون أن تمتد إلى إلغاء قرار الفسخ ، ويختلف فسخ العقد كجزاء
يوقع على المتعاقد مع الاداره بسبب إخلاله بشروط العقد عن فسخ العقد بسبب مقتضيات المصلحة
العامة ، حيث تمتنع الاداره في الحالة الثانية بسلطة تقديريه ولا يتوقف حقها في ذلك
على وقوع خطأ من المتعاقد لان الاداره تبرم العقود الاداريه من اجل تحقيق مصلحة عامه
فإذا انتفت هذه المصلحة في أي وقت إثناء تنفيذ العقد فإنها تستطيع أن تنهي العقد بإرادة
منفردة لانتهاء الغاية من إبرامه ، كما تلتزم الاداره بتعويض المتعاقد معها عن الإضرار
التي تلحقه وعن الكسب الفائت بسبب إنهاء العقد .(1)
وهنا
يجب أن نشير إلى أن فسخ العقد الإداري تحقيقا” للمصلحة العامة قبل انتها مدته يستوجب
أن تقوم الإدارة بإخطار المتعاقد معها قبل الإنهاء إذا نص العقد على مهلة الإخطار قبل
الإنهاء وإلا تكون الاداره قد ارتكبت خطأ يولد مسؤوليتها عما أصاب المتعاقد من ضرر
من جراء الفسخ ، وتملك الاداره حق الفسخ في العقد الإداري سواء انطوى هذا العقد على
نص يخولها هذا الحق أم لا حيث أن هذا الحق من مظاهر السلطة العامة التي تملك الاداره
حق استعماله بإرادتها المنفردة دون حاجه إلى اللجوء للقضاء .
وان
حق الإدارة في فسخ عقودها مع المتعاقدين معها هو حق أصيل ، تملك الاداره اتخاذه في
كل مرة يبدو لها أن المتعاقد معها قد اخل بالالتزامات العقدية إخلالا” جسيما” يعرض
المرفق العام للخطر ويبقى للطرف الأخر الحق بالمطالبة بالتعويض أن كان له موجب ومقتضى
وان ثبت للقضاء أن الفسخ وقع تعسفيا” . (1)
ففي
المادة 15/22 من دفتر عقد المقاولة الموحد لنظام الأشغال العامة الحكومية نصت على انه
يحق لصاحب العمل إنهاء العقد في عدة حالات (2) ومن خلال تلك المادة فانه يتبن أن الحالات
التي أجاز فيها القانون فسخ العقد بمجرد قرار من الاداره أهمها:
11-
إذا اخفق المقاول في تقديم ضمان الأداء أو لم يستحب للإشعار بتصويب أو تعديل وضع معين
إمرته الاداره به وإذا اخفق المقاول عن تنفيذ الأشغال أو تبين للإدارة انه لا ينوي
الاستمرار في تنفيذ التزاماته وذلك بدون عذر مقبول .
2- التعاقد
من الباطن دون اخذ موافقة الادارة
3- الإخلال
بأي شرط من شروط العقد
4- الإفلاس
أو الإعسار
5- استعمال
الغش أو التلاعب
6- تقديم
الرشوة أو الشروع بها
ووفقا”
للمبادئ الاساسيه في العقود الاداريه أن تلك الحالات وردت على سبيل التمثيل لا الحصر
،لان للاداره حقا” أصيلا” في فسخ العقود الاداريه إذا اخل المتعاقد بالتزاماته إخلالا”
يستلزم هذه العقوبة ، وفي هذه الحالة يتطلب مجلس الدولة الفرنسي الشروط التالية للسماح
بتوقيع عقوبة الفسخ :
أولا:- الخطأ الجسيم :
والخطأ
الجسيم هو عبارة عن إخلال المتعاقد بالتزام تعاقدي – أي منصوص عليه في العقد أو القانون
– والإدارة وحدها هي التي تملك تقدير جسامة ذلك الخطأ وإخلال المتعاقد بالتزاماته بحيث
يمكن توقيع الفسخ كجزاء ومن أمثلة الخطأ الجسيم المؤدي إلى الفسخ هو ما ذهب إليه مجلس
الدولة الفرنسي من أن عدم تنفيذ الأوامر المصلحيه الموجهة للمتعاقد من قبل الاداره
، وترك موقع العمل وإيقاف تنفيذه تعتبر من قبيل الاخطأ المبررة للفسخ والتي لا يمكن
أن يقبل أي عذر عن القيام بها من جانب المتعاقد ويدخل ضمن ذلك أيضا” عدم مراعاة مواعيد
تسليم الأعمال أو توريد الأصناف المتفق عليها .
وقد
اعتبر مجلس الدولة الفرنسي خطأ جسيما” يبرر الفسخ إهمال المتعاقد للأعمال أو وقف التوريد
والتنازل عن العقد أو التعاقد من الباطن دون إذن سابق من الاداره والتجاء المتعهد إلى
الغش أو تسليمه بضائع رديئة . ويلاحظ انه ليس للقضاء تعقيب على الفسخ إذا المشرع قرر
جزاء الفسخ لخطأ معين ولذلك فان الحالات التي ذكرها القانون والتي تقرر بها الفسخ الوجوبي
أو الاختياري للاداره فإنها تكون بعيده عن رقابة القضاء من حيث الملائمة لا المشروعية
.
ومن
ذلك يتبين لنا انه وفي عقد الأشغال العامة يأخذ الخطأ صورتين أولهم إخلال المقاول بأي
من شروط العقد وثانيهما عدم احترامه للأوامر من الاداره
ثانيا” : اعذار المتعاقد قبل
اتخاذ قرار الفسخ
وفقا”
للقواعد العامة فالأعذار هو إثبات قانوني لحالة تأخير المقاول في تنفيذ التزاماته ويهدف
في عقود الأشغال العامة إلى إثبات عدم وفاء المقاول بالتزاماته من الناحية القانونية
وهو
أمر منطقي تفرضه قواعد العدالة ذلك انه يعني تنبيه المتعاقد إلى مخالفته التي قد تضر
بالمرفق العام ومن ثم يمكن له بعد اعذاره أن يصحح من تلك المخالفة وتنتهي المشكلة عند
هذا الحد كما انه يعني أيضا إنذارا” له بتوقيع الجزاء الذي تراه الادارة إذا استمر
في هذه المخالفة .
وفي
عقد الأشغال العامة أعطى النص الوارد في دفتر عقد المقاولة الموحد للاداره المتعاقدة
في حالة عدم امتثال المتعاقد معها وقيامه بما ورد بالإنذار أما القيام بالإصلاحات اللازمة
بنفسها واماتنفيذ العمل على حسابه وأما فسخ العقد وذلك على النحو الذي تراه محققا”
للصالح العام حيث أن سلطتها في هذا الشأن تقديريه لا يحدها سوى عيب الانحراف بالسلطة
.
ثالثا” :- تسبيب قرار الفسخ
لقد
ذكرنا في القيود الواردة على الفسخ دون خطأ المتعاقد وان للقاضي بحث مدى ملائمة الفسخ
كعقوبة للخطأ المنسوب للمتعاقد بعد أن عدل القانون الفرنسي. والفقه الفرنسي يؤكد انه
وبعد تعديل القانون أصبحت الإدارة ملزمة بتسبيب جميع الجزاءات التي توقعها على المتعاقدين
معها دون استثناء بما في ذلك عقد الاسغال العامة ولا تعفى من ذلك إلا في حالة الاستعجال
ويعتبر مجلس الدولة الفرنسي إبلاغ جزاء الفسخ إلى المتعاقد أمرا” ضروريا حتى يتمكن
من العلم بوجود قرار الجزاء وفحواه . أما في مصر فان جهة الإدارة غير ملزمه بتسبيب
قراراتها خلافا” لما جرى به العمل في فرنسا .
الفرع
الثاني:أنواع الفسخ الجزائي:
هناك
نوعان من الفسخ الجزائي في فرنسا يشتركان في بعض الآثار ويختلفان في البعض هما :الفسخ
الجزائي المجرد والفسخ الجزائي على مسؤولية المتعاقد
1- الفسخ
الجزائي المجرد البسيط :
يعني
الفسخ المجرد إنهاء الرابطة التعاقدية تماما ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا
عليها قبل التعاقد ويكون للإدارة المتعاقدة الحق في اقتضاء غرامات التأخير أو المطالبة
بالتعويضات عن الإضرار التي لحقت بها نتيجة لفسخ العقد لخطأ المتعاقد ، وفي هذا النوع
من الفسخ تنتهي الرابطة العقدية تماما” ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها
قبل التعاقد فتقوم الجهة الاداريه بتسليم المتعاقد معها الأصناف التي قام بتوريدها
وقيمة ما قام به من أشغال والتأمينات التي دفعها .
ويرى
البعض أن هذا الفسخ هو الذي توقعه الإدارة على المتعاقد معها دون أن تحمله أية تعويضات
نتيجة لفسخها البسيط للعقد الإداري وهنا تبدو الاداره اقل صرامة” في ممارساتها سلطتها
منها في حالة فسخ العقد بسبب اخطأ المتعاقد الجسيمة .
ويؤدي
الفسخ المجرد إلى انتهاء العقد وانفصام الرابطة العقدية بين الطرفين وهو يشمل العقد
كله ويعفى المتعاقد مع الإدارة من النتائج المترتبة على إخلاله بالتزاماته العقدية
وعادة ما يستبعد هذا الفسخ التعويض سواء للمتعاقد مع الاداره أو عليه.
الفسخ
الجزائي على مسؤولية المتعاقد : هذا النوع اشد جسامة من الفسخ المجرد البسيط على المتعاقد
المقصر إذ يكون الفسخ في هذه الحالة مقرونا” بإبرام عقد جديد لإتمام تنفيذ العقد الأصلي
لان الإدارة لا تكتفي بالتعويض عن فسخ العقد الأول ولكنها تحمل المتعاقد نتائج العقد
الجديد وكافة الأعباء المالية المترتبة على قيام الاداره بتعاقد جديد مع الغير سواء
تعاقدت الإدارة بعقد أشغال عامه مع مقاول جديد لتنفيذ المشروع المتفق عليه أو تعاقدت
في عقد جديد في عقد التوريد لتوريد المواد المتفق عليها .
ويكون
الفسخ في هذه الصورة مصحوبا” بإعادة طرح الأشغال في مناقصة عامه على حساب المقاول المقصر
في عقد الأشغال العامة ، ويجري مجلس الدولة الفرنسي في هذه الحالة على عدم السماح بالالتجاء
إلى هذه الصورة من الفسخ إلا إذا نص عليها في العقد أو دفتر الشروط . ولما كان موقف
المقاول في هذه الصورة لا يمكن أن يتضح إلا بعد معرفة نتيجة المناقصة الجديدة فانه
لا يستطيع أن يطالب بثمن الأعمال التي نفذها أو باسترداد التأمينات المقدمة منه إلا
بعد معرفة النتائج المالية لعملية الإرساء الجديدة. وبالرغم من التسمية السابقة فان
الإدارة ليست ملزمه بان تلجأ إلى طريقة المناقصات العامة في العقد الجديد بل لها أن
تختار طريقة التعاقد عن طريق الممارسة ولكنها إذا لجأت إلى هذا الطريق فيتعين عليها
أن تراعي عدم الإضرار بالمتعاقد القديم باختيار أفضل الشروط المالية وتخضع الاداره
لرقابة القضاء في هذا الصدد .
قد تكون
المخالفة المرتكبة من المتعاقد على جانب كبير من الخطورة بحيث تشكل خطأ” جسيما” وان
ظروف المتعاقد لا تمكنه من الوفاء بالتزامات التعاقد الأمر الذي يحدو بالمشرع إلى إلزام
الإدارة بفسخ التعاقد معه. وقد يترك المشرع للاداره حرية تقدير ضرورة اللجوء إلى هذا
الجزاء وفقا” لظروف الحال وبذلك فان فسخ العقد الإداري أما أن يكون وحوبيا” ليس للإدارة
سلطة تقديرية بشأنه وأما أن يكون جوازيا” تترخص الإدارة في تقديره :
1- الفسخ
الوجوبي : الزمت الإدارة بفسخ التعاقد في حالتي ارتكاب المتعاقد للغش في تعامله معها
أو افلاسة حيث افترض المشرع أضرار استمرار التعاقد بالمصلحة العامة في ظل قيام أي منهما
ومن ثم يكون للفسخ الوجوبي حالتين هما إذا استعمل الغش وإذا أفلس المتعاقد مع الإدارة
وإذا أعسر
2- الفسخ
الجوازي : أن الاداره في هذه الحالة من الفسخ هي الأقدر على تقدير منح سلطة استعمال
حق الفسخ من عدمه في ضوء ما تقتضيه المصلحة العامة ، فالإدارة توازن ما بين الإضرار
بالمصلحة العامة بإنهاء وفسخ العقد وما بين الإضرار التي تصيب تلك المصلحة من جراء
استمرا التعاقد في ظل مخالفة المتعاقد لشرط تعاقدي وتتخذ قرارها بالإبقاء على العقد
أو فسخه على النحو الذي يجنب المصلحة العامة الضرر الأكبر
اثأر
فسخ العقد
تختلف
أثار فسخ العقد من حيث فداحتها بالنسبة للمتعاقد مع الاداره وذلك على ضوء ما يكون هذا
الفسخ قد تم نتيجة اخطأ من المتعهد أو تقدير من الاداره للمصلحة العامة وكيفما كان
الأمر فان الفسخ يؤدي إلى بعض النتائج العامة التي يحكم تطبيقها بنفاذ الفسخ ذاته
. وقد تنص دفاتر الشروط أحيانا” على تاريخ نفاذ اثر الفسخ وبصورة عامه فان هذا الأثر
يأخذ مجراه من وقت إعلان المتعهد به وفي كافة الأحوال فان تاريخ اثر الفسخ لا يسوغ
أن يكون سابقا” على الإعلان به لان ذلك يخالف مبدأ عدم رجعية الأعمال الاداريه .
فيترتب
على صدور قرار الفسخ نهاية العقد الإداري ولا يعني ذلك نهاية المرفق العام ، حيث تسترد
الإدارة كامل سلطاتها في استمرار المرفق العام بان تديره بنفسها ، أو أن تعهد بذلك
إلى متعاقد أخر ويحق للمتعاقد طلب التعويض إذا كان الفسخ الذي أوقعته الاداره لا يرجع
إلى خطأ جسيم ارتكبه المتعاقد ومن ثم فان الفقه يفرق بين حالتين بشأن تعويض المتعاقد
مع الإدارة عند فسخ العقد ، وهما :
أولا”
: أثار الفسخ إذا كان الفسخ صادرا” عن الاداره بدون خطأ المتعاقد وإعمالا” لحقها في
إنهاء العقد الإداري ، على اعتبار أن العقد لم يعد مفيد” أو ضروريا” للمرفق العام ،
في مثل هذه الحالة يلتزم المتعاقد بالخضوع لأوامر الاداره إلا أن ذلك يحرمه من الفائدة
التي كان يود الحصول عليها من تنفيذ عقده ، مما يعطيه الحق في التعويض الكامل الذي
يجبر ما لحقه من ضرر ويحقق له ما فاته من كسب . ونذكر هنا انه إذا كان الفسخ بناء على
رغبة المتعاقد سواء كان بالاتفاق الودي مع الإدارة أو إمام القاضي وذلك بهدف التخلص
من التزاماته التي أصبح غير قادر على تنفيذها وتفوق إمكانياته وجاء هذا الفسخ عن طريق
الإدارة فانه يستحق التعويض تعويضا” كاملا”.
ثانيا”
: أثار الفسخ إذا كان الفسخ صادرا” من الاداره كجزأ لخطأ المتعاقد وإخلاله بالتزاماته
فان ذلك لا يعطيه الحق بطلب التعويض أيا” كان مقداره بل يلحق به من الخسارة المادية
الكثير بما في ذلك مصادرة التأمين .
ويكون
الفسخ بمثابة جزاء توقعه الإدارة على المقاول تحت رقابة القضاء، ولكن يجب أن يكون إخلال
المقاول جسيما” يبرر هذه العقوبة القاسية. وقد قررت المحكمة الإدارية العليا في حكمها
الصادر في 18 يناير سنة 1986 ( الطعن رقم 1786 لسنة 30 قضائية ) أن معيار البطء في
تنفيذ الأعمال الذي يبرر سحب العمل من المقاول يقتضي تحديد تاريخ البدء في التنفيذ
، وبيان مدى تجاوب المقاول في تنفيذ الأعمال المسندة إليه . ” ومرور فترة وجيزة بعد
البدء في التنفيذ دون أن يتضح أن ثمة مخالفة يمكن نسبتها إليه لا يصلح سببا” لسحب العمل
منه ” .
وعند
فسخ العقد يتعين تصفية أثاره ولا يتم ذلك إلا بمعرفة مقدار ما تم تنفيذه من الأعمال
ويذكر هنا أن مجلس الدولة الفرنسي يجري على عدم الحكم بإلغاء القرارات الاداريه الصادرة
بفسخ عقود الأشغال العامة ولا أي قرار أخر يصدر من الإدارة في شؤون الأعمال موضوع العقد
وذلك على أساس أن الإدارة هي صاحبة الأشغال العامة ومن ثم فيجب أن تكون لها الكلمة
العليا في خصوصها حتى ولو ثبت أن تلك القرارات كانت غير مشروعه وذلك اكتفاء” بحق المقاول
بالتعويض الكامل
والجدير
بالذكر انه إذا توفي المتعهد والمقاول جاز لجهة الاداره فسخ العقد مع رد التأمين إذا
لم يكن لجهة الاداره مطالب مقابل المتعهد أو السماح للورثة بالاستمرار في تنفيذ العقد
بشرط أن يعينوا وكيلا” عنهم بتوكيل مصدق على التوقيعات فيه ويوافق عليه رئيس الاداره
المختصة وإذا كان العقد مبرما مع أكثر من متعهد أو مقاول وتوفي احدهم فيكون لجهة الاداره
الحق في إنهاء العقد مع رد التأمين أو مطالبة باقي المتعهدين بالاستمرار في تنفيذ العقد
.
#ثانيا
##
**
(معنى الفسخ في العقود الإدارية وتمييزه عن أوضاع مشابهة واسبابه وسلطة القضاء، فى
الحكم بالفسخ والتعويض ) **
كي يتاح
امام المتعاقد اللجوء الى القضاء طالباً فسخ العقد مع التعويض، ينبغي ان يصدر من الإدارة
خطأ ما في تنفيذ التزاماتها العقدية وان يبلغ هذا الخطأ حداً من الجسامة بشكل يسوغ
للقاضي فسخ العقد، والاَّ اقتصر حكم القاضي على رد دعوى المتعاقد بالفسخ والحكم بتعويض
عادل للمتعاقد وذلك يعود بالتأكيد الى السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي اذ له ان يحدد
خطأ الإدارة من كل ما هو معروض عليه. لذا سنتعرف على مفهوم الخطأ الإداري وسلطة القضاء
في تحديد درجة الخطأ الموجب للفسخ.
أولا: مفهوم خطأ الإدارة
سلسلة
الافكار المنطقية تتطلب البحث عن الخطأ بشكل عام لا ستعراض مفهومة، واهم المعاني التي
حاولت كشف هويته ثم التحول الى تحديد خطأ الإدارة العقدي للوصول الى نتيجة تفصح عن
معنى خطأ الإدارة. ومن خلال تصفح مصادر الفقه القانوني التي تناولت فكرة الخطأ بالشرح
والتفصيل نرى ان الفقه التقليدي اشار الى ان الخطأ فكرة لا يمكن ان تحدد على نحو معين.
اذ يرى جانب فقهي بان الخطأ فكرة مجرده، بحيث من غير المستطاع التكلم عن خطا واحد وانما
اخطاء. في حين يرى رأيَّ ممثلاً (بأميل تايان) الذي عمل على انتقاد الشريعة الاسلامية
مشيراً الى عدم معرفتها لفكرة الخطأ وهو بهذا الرأي قد حاول على حد تعبير الاستاذ حسن
الخطيب ان ينزل الشريعة الاسلامية الى درجة البدائية
(1).
وازاء ما تقدم تعددت الاراء التي حاولت ان تضع تعريفا محددا للخطأ تعبر عن وجهة نظر
كل رأي في الموضوع. فالاستاذ ريبير يرى اذا لم يكن القانون قد وضع تعريفاً محدداً للخطأ
فتجد من الصعوبة ان يعرفه احد من الفقهاء وهذه الصعوبة تبلغ قمتها من خلال قيام الفقهاء
بربط فكرة الخطأ بالاخلاق، فالاخيرة فكرة غير محددة اصلاً، ومن الطبيعي ان ينعكس هذا
الوضع على الخطأ
(2).وحول
هذه الموضوع اشتد حماس الفقه لوضع تعريف شامل للخطأ
(3).
ولبسط تلك المعاني التي وضعت ما اضافه بلانيول الخطأ هو اخلال بالتزام سابق اذ لن يكون
بالإمكان التحدث عن خطأ وانما لابد من البحث عنه من خلال الصفات المكونة له ويؤيد هذا
الرأي حسن الخطيب
(4).
فالعلامة (سفاتيه) ومن خلال اخذه بالمظهر الادبي لفكرة الخطأ يرى انه تقصير في واجب
قانوني كان في وسع المخل ان يتبينه وان يلتزمه
(5).
أما في الفقه العربي فيرى اسماعيل غانم ان الخطأ هو اجتماع عنصرين: الاول مادي يتحقق
في عدم اداء الواجب على النحو المطلوب، والثاني معنوي وهو نسبه هذه الواقعة الى ذلك
الواجب
(6).
فالخطأ من وجهة نظره اخلال بواجب قانوني سواء كان التزاماً بالمعنى الدقيق ام واجباً
عاما
(7).
أما القانون المدني العراقي فقد نهل من السبيل نفسه الذي وضعه القانون المدني الفرنسي
من خلال عدم وضع تعريف للخطأ في صلب القانون مرتكزين على الاساس الذي وضعته الشريعة
الاسلامية في الالتزام بعدم الاضرار بالغير
(8).
اما عن المعيار الذي وضع لتحديد الخطأ فقد ذهبت النظرية التقليدية الى تقسيم الخطأ
على درجات فرقت بين عدة انواع له، بدءاً من الخطأ التافه وصولا الى الخطأ الجسيم. وادى
تعرض هذه الفكرة لانتقادات الى هدم الاساس الذي بنيت عليه، وبذلك تحول الوضع الى الاخذ
بمعيار رجل الاسرة الحريص اذ يرى المنادون بهذا المعيار الى انه عام ويطبق على كافة
الاشخاص من دون تمييز بينهم بسبب الظروف الشخصية، وانما ينبغي الاخذ عند تطبيق هذا
المعيار الظروف الخارجية للمدين وفي هذا المجال نرى ضرورة الاشارة الى انه اذا كان
التزام المدين ببذل عناية فيعد المدين مقصراً، اذا لم يبذل العناية، التي يتفق عليها
او التي ينص عليها القانون، فاذا لم ينص القانون او الاتفاق على مقدار تلك العناية
فيؤخذ آنذاك بعناية الرجل المعتاد. اما اذا كان التزام المدين بتحقق غاية فيعد مسؤولاً
اذا لم تحقق تلك النتيجة
(9).
وتأكيداً لما قيل اشار قرار محكمة النقض المصرية ((كان بّين من العقد ان المطعون ضده
تعهد بتنفيذ جمع اعمال البناء المتفق عليها وتسليم المبنى معداً للسكن في الموعد المتفق
عليه. كان هذا الالتزام هو الالتزام بتحقيق غاية فانه متى اثبتت الطاعنة إخلال بهذا
الالتزام، فإنها تكون قد اثبتت الخطأ الذي تتحقق فيه المسؤولية ولا يجد في نفي الخطأ
ان يثبت هو انه قد بذل ما في وسعه من جهد لتنفيذ التزامه فلم يستطع ما دامت الغاية
لم تتحقق))(10). وقد اشارت الى فكرة الخطأ 169ف2م.ع ،م211ف1م.م. والتقنينات المدنية
العربية المقابلة(11). فمن المتفق عليه ان على القاضي ان يضع نصب عينيه ثلاثة مبادئ
اساسية واي اخلال بها من شأنه اثارة مسؤولية الإدارة العقدية وعندئذ تكون مسوغاً لفسخ
العقد وهي (حسن النية في تنفيذ الالتزامات تحقق الغاية من التعاقد. التوازن بين الالتزامات
الجوهرية في العقد)(12). بعد ان كشف النقاب عن الخطأ كفكرة نستمر في الحديث عن الخطأ
العقدي للادارة وصولاً الى الخطأ الذي يسوغ فسخ العقد. فما لا ريب فيه ان خطأ الإدا
ثانيا: سلطة القضاء في تحديد درجة
الخطأ الموجب للفسخ ...
مما
لا جدال فيه ان القاضي يمتلك سلطة تقدير واسعة لتحديد مدى توافر مسوغات الفسخ من عدمها،
اذ أن تحقق شروط الفسخ لا يعني بحال من الاحوال ان الحكم بالفسخ اصبح امراً محتماً
وانما لقاضي الموضوع سلطة تقديرية لتحديد جسامة الاخلال الصادر عن الإدارة وللوقوف
على حقيقة الوضع ضماناً لما قد يتفق عليه طرفا العقد ويبديانه من تسويغات للفسخ(16).
فله ان يرفض طلب الفسخ اذا كان المدين حسن النية وله ان يمنح المدين المفسر مهله اذا
كان عدم التنفيذ جرئياً او قليل الاهمية مقارنة في الالتزام بجملته وللمدين ولتفادي
صدور الحكم بالفسخ ان يقوم بتنفيذ التزاماته قبل انتهاء المهلة ليتفادى فسخ العقد ويبقى
للدائن الخيار بين: طلب فسخ العقد وبين طلب التنفيذ، واذا كان الاخير يعد الطلب الاصلي
فان الفسخ هو خيار استثنائي يلجا اليه الدائن، وله الحق في العدول عن أي منها الى الاخر
ولكن قبل صدور حكم القاضي الذي يفصل في الموضوع(17). هذا وقد اكد القانون المدني العراقي
على مسألة منح القاضي السلطة التقديرية موضحاً ذلك بالشطر الثاني من الفقرة الاولى
من المادة 177 منه ((…في العقود الملزمة للجانبين اذا لم يوف احد المتعاقدين بما وجب
عليه بالعقد جاز للعاقد الاخر بعد الاعذار ان يطلب الفسخ مع التعويض ان كان له مقتضى
على انه يجوز للمحكمة ان تنظر المدين الى اجل كما ويجوز لها ان ترفض طلب الفسخ اذا
كان مالم يوف به المدين قليلاً بالنسبة للالتزام في جملته))
(واذا
كان للقاضي ان يمنح المدين مهلة)
فيما
اذا كان الاخير حسن النية معسر الحال فان القاضي قد يحكم بفسخ العقد حتى لو كان تنفيذ
العقد جزئياً فيما لو وجد كفاية الجزء غير المنفذ للحكم بفسخ العقد.
وتبدو
مسالة منح القاضي السلطة التقديرية مثاراً للجدل حول مدى رقابة محكمة التمييز عليها.
درجت المحاكم الفرنسية قبل مدة طويلة جداً على وصف تقدير كفاية الخطأ من عدمه من المسائل
الموضوعية، ولذا فهي تكون بمنأى عن رقابة محكمة النقض. وقد اكدت على هذا المعنى محكمة
النقض المصرية في احد قرارتها ((اثبات الخطا الموجب للمسؤولية العقدية على احد المتعاقدين
هو تقدير موضوعي تستقل به محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام استخلاصها
سائغاً)).
أسباب فسخ العقد الإداري بحكم قضائي
1- الفسخ القضائي بسبب القوة القاهرة:
تؤدي
القوة القاهرة إلى إعفاء المتعاقد من تنفيذ التزاماته إذا ما ثبت أن تحققها بسبب أجنبي
لا دخل فيه ولم يكن في وسعه توقعه .
ويتبين
من ذلك أنه إذا ما تحققت القوة القاهرة فإن العقد يعد مفسوخا من تلقاء نفسه ولا تستطيع
الإدارة أن ترغم المتعاقد على التنفيذ، وإذا التجأ المتعاقد إلى القضاء للحصول على
حكم بأن استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي فأن الحكم في هذه الحالة يقرر الفسخ ولا
ينشئه.
ومع
ذلك فقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي معززاً رأيه ببعض أحكام مجلس الدولة إلى أنه يتعين
على المتعاقد أن يلجأ إلى القضاء للحصول على حكم بانفساخ العقد للقوة القاهرة في حين
تستطيع الإدارة إنهاء العقد بقرار منها استناداً منها إلى القوة القاهرة ويكون الفسخ
هنا فسخاً إدارياً .
2- الفسخ القضائي كجزاء للإخلال بالالتزامات العقدية :
أن حق
الفسخ بحكم قضائي بناء على طلب الإدارة أو المتعاقد، لإخلال الطرف الآخر بتنفيذ التزاماته
مضمون للطرفين ما دامت الإدارة تملك حق فسخ العقد بقرار إداري استناداً إلى خطأ المتعاقد
في تنفيذ التزاماته العقدية، فلا تلجأ إلى القضاء لتقرير الفسخ إلا لكي تضمن عدم رجوع
المتعاقد عليها بالتعويض إذا تبين أن قرارها بالفسخ مشوباً بالتعسف .
باستثناء
حالة طلب إسقاط الالتزام في فرنسا، إذ أن القضاء الفرنسي مستقر على أنه لا يجوز أن
يتم الفسخ إلا بحكم قضائي.
أما
بالنسبة للمتعاقد فلا بد له من اللجوء إلى القضاء للحصول على حكم بفسخ العقد إذا أخلت
الإدارة بالتزاماتها إخلالاً جسمياً، وإذا حكم القضاء بذلك فأن آثار الفسخ ترتد إلى
يوم رفع الدعوى .
3- الفسخ في مقابل حق الإدارة في تعديل العقد :
تملك
الإدارة سلطة تغيير شروط العقد وإضافة شروط جديدة بما يتراءى لها أنه أكثر اتفاقاً
مع الصالح العام ، ويملك المتعاقد في مقابل هذا الحق المطالبة بالتعويض.
وإذا
وجد المتعاقد أن التعويض غير كاف لمواجهة الظروف التي أوجدها التعديل، وأن التعديل
تجاوز إمكانياته المالية وقدراته الفنية وتسبب في قلب اقتصاديات العقد. فإن للمتعاقد
الحق في المطالبة بفسخ العقد قضاء مع التعويض، لإن مرجع الفسخ في هذه الحالة هو تصرف
الإدارة دائماً .
ازدادت
أهمية العقود الإدارية في الدولة الحديثة نظرا لازدياد تدخلها في شتى مجالات الحياة
فكان من الطبيعي قيامها بإبرام العقود التي تخضع لاحكام القانون الإداري والتي تختلف
عن العقود التي يبرمها الأفراد في نطاق القانون الخاص. من المثير التأكيد على ان العقود
التبادلية يوجد فيها ثمة التزامات متقابلة، وانّ عدم تأدية هذه الالتزامات بالشكل المطلوب
يؤدي الى إثارة مسؤولية الطرف المقصر التعاقدية وبذلك يملك المتعاقد المضرور حق اللجوء
الى القضاء مطالباً بفسخ العقد الإداري والتعويض
أولا: معنى الفسخ في العقود الإدارية
يعد
الفسخ من اشد الجزاءات التي تتقرر كجزاء على خطا أحد المتعاقدين، واذا كان الفسخ جزاء
يتناول كافة العقود الإدارية الا انه يستثني مجلس الدولة الفرنسي عقد الامتياز اذ يطلق
عليه مصطلح الاسقاط(1). لقد أغنى فقهاء القانون الإداري مؤلفاتهم بتعاريف حددت مفهوم
الفسخ فالدكتور ابراهيم الفياض يرى ((إنهاء الرابطة العقدية بين الإدارة والمتعاقد
معها بشكل حاسم، وتصفية كافة الآثار المتولدة عنه فيما لو ارتكب المتعاقد خطأ لم يعد
ممكناً معه الاستمرار في العلاقة العقدية بينهما))
(2).في
حين يرى د. محمد فؤاد بأنه جزاء يستهدف انهاء الرابطة العقدية
(3).
يرى بعض الفقهاء ان الفسخ في العقود الإدارية لعدم التنفيذ ما هو الا تطبيق للشرط الفاسخ
الضمني المنصوص عليه في م 1184 مدني فرنسي، والتي تشير الى جزاء الفسخ في العقود التبادلية
لعدم التنفيذ. الاَّ ان رأياً آخر يجد عدم ضرورة الاستناد الى هذه المادة وانما لابد
من تطبيق مبادئ العدالة ولاسيما اذا علمنا ان أحد المتعاقدين هو الإدارة التي تهدف
الى تحقيق الصالح العام
(4).
مع العلم أن فسخ العقد الإداري قد يتم بناءاً على طلب جهة الإدارة المتعاقدة ويسوغ
هذا الجزاء حق الإدارة في العدول عن الاستمرار في مشاركة متعاقد ثبت غشه وإهماله في
إدارة دفة المشروع. فضلاً عن كون الفسخ جزاءً خطيراً لا يوقع الا اذا ارتكب المتعاقد
خطأً جسيماً يسوغ ذلك
(5).
كما وقد يقع الفسخ القضائي للعقد بناءً على طلب المتعاقد مع الإدارة التي اخلت الاخيرة
تجاهه في تنفيذ التزاماتها العقدية مما ادى الى الحاق الضرر به، لذا يحق لمن يتعاقد
مع الإدارة سلوك الطرق القضائية بعد توجيه اعذار للإدارة للمطالبة بفسخ العقد مع التعويض
عما اصابه من ضرر. ويشترط للنطق بفسخ العقد ضرورة ارتكاب الإدارة لخطأ ادى الى عجز
المتعاقد عن الاستمرار في تنفيذ التزاماته كأن تقوم بأيقاف العمل لمدة تزيد على سنة
من دون مسوغ منطقي او قيامها بفسخ العقد على مسؤولية المتعاقد تلافيا لفسخ العقد على
مسؤوليتها نظراً لصدور خطأ جسيم من جانبها. فالعقد الإداري شأنه شأن العقود المدنية
ينتهي نهاية طبيعية بتنفيذه بالكامل او بانتهاء المدة المحددة له مالم تجدد الاخيرة
صراحة او ضمناً، وهذا امر معروف ولا حاجة للدخول في تفاصيله كما قد ينتهي العقد بصورة
مبتسرة بالفسخ كجزاء يوقع على الطرف المقصر المخل بتنفيذ التزاماته. هذا ويقسم الفسخ
في العقود الإدارية على الفسخ القضائي، وهو الحالة المعروفة وتتطلب صدور خطأ من جانب
الطرف المتعاقد (سواء اكان الإدارة ام المتعاقد)، والفسخ الاتفاقي للعقد والانفساخ
القانوني للعقد الذي يقع لهلاك محل العقد. وهكذا يختلف فسخ العقد الإداري عن الفسخ
في القانون المدني نظراً لامتلاك الادارة امتيازات السلطة العامة التي تمكنها من فسخ
العقد بالإرادة المنفردة لها من دون ان يكون هناك خطأ من جانب المتعاقد لمقتضيات الصالح
العام.
ثانيا : تمييز فسخ العقد الإداري عن أوضاع مشابهة
اذا
كان الفسخ جزاءً يوصف بالخطورة لكل من طرفي العقد لكونه ينهي العقد الا ان الادارة
وبما تملكه من سلطة عامة تملك انهاء العقد بالفسخ اذا تطلبت ذلك مقتضيات الصالح العام.
وقد تلجأ الادارة الى القضاء طالبة انهاء عقد الامتياز. وبهذا نجد من الحري بنا التعرف
على الغاء العقد والاسقاط. موضحين ابرز اوجه الشبه والاختلاف بينهم وبين الفسخ.
1- تمييز
الفسخ في العقد الإداري عن الغاء العقد
يتميز
العقد الإداري عن المدني الذي تسوده قاعدة العقد شريعة المتعاقدين بما تملكه الادارة
من وسائل السلطة العامة والتي من اهم مظاهرها حق الادارة في انهاء العقد او تعديله
بإرادتها المنفردة من دون حاجة لا خذ موافقة الطرف الثاني في العقد
(6).
فالادارة تملك سلطة تقديرية في الغاء العقد من دون وقوع أي خطأ من جانب المتعاقد يسوغ
ذلك، إذ قد تتطلب مقتضيات المصلحة العامة انهاء العقد
(7).يوجد
هذا الحق قائماً بذاته سواء نص عليه في العقد او لم ينص. وهذا ما اتفق عليه الفقه والقضاء
الفرنسي والمصري، وما نصت عليه المحكمة الإدارية العليا المصرية قائلة: ((للادارة دائماً
سلطة انهاء العقد اذا قدرت ان هذا هو ما تقتضيه المصلحة العامة ولا يكون للطرف الاخر
حينئذ الا المطالبة بالتعويضات))(8). أما مجلس الدولة الفرنسي فقد اشار في قضية de Mestrale ((انه لا يجوز اعمال فكرة الفسخ الجزائي المنصوص عليه لعدم وجود خطأ
جسيم من المتعاقد ولكن يجوز للادارة اعمالاً لسلطتها العامة انهاء تنفيذ العقد مقابل
تعويض مناسب)
(9).ذهب
جانب من الفقه . الى انكار حق الادارة في الانهاء الانفرادي وسرعان ماتبين خطأ وجهة
النظر هذه، ولاسيما ان اغلب الفقهاء في فرنسا ومصر اكدوا وجود هذا الحق للادارة في
كافة العقود الإدارية اعمالا لسلطتها التقديرية في انهاء العقد
(10).
هذا وقد تم تكييف سلطة الانهاء الانفرادي للعقد على حد قول ريفرو- روسيه- دي لوبادير
بأنها صورة من صور التعديل الانفرادي للعقد. اما عن اساس هذه السلطة. فقد ثار الخلاف
بشأنه وفيما اذا كان الصالح العام ومقتضيات المرفق العام او فكرة السلطة العامة وامتيازات
القانون العام هي التي تسوغ هذه السلطة. فالفقيه بكينيو يرى ان اساس هذه السلطة يكمن
في الصالح العام بينما ذهب بنوا الى ان المصلحة العامة للمرفق هي التي تسوغ الغاء العقد.
(11)
اما الفقيه فيدل فيؤكد ان اساس هذه السلطة يكمن في تحقيق الصالح العام وضرورات المرفق
العام وفكرة السلطة العامة وامتيازات القانون العام. ويوافقه في ذلك دي لوبادير
(12).
أما القضاء الإداري المصري فقد أشار في غالبية أحكامه الى فكرة الصالح العام ومقتضيات
المرفق العام كأساس قانوني لسلطة الإنهاء الانفرادي للعقد الإداري. وعلى الإدارة أن
تتمسك باستعمالها لهذه السلطة بالمشروعية الإدارية وتحقيق الصالح العام فإذا تبين أن
إنهاء العقد أريد به الحصول على مقابل مالي اكبر مما قد تحصل عليه الإدارة من المتعاقد
فللأخير عندئذ الحق في المطالبة بتعويض، فضلاً عن ابطال جزاء فسخ العقد الإداري بإرادة
الإدارة
(13).
ونحن نرجح ما أشار اليه القضاء الإداري المصري على وصف ان فكرة الصالح العام ومقتضيات
المرفق العام هي المسوغ القانوني الذي يمكن إرجاع سلطة الإنهاء الانفرادي للعقد له.
وبهذا نكون قد اتفقنا مع نص م64 من قانون المناقصات والمزايدات المصرية المرقم 9 لسنة
1983 الذي خول المشرع المصري به الإدارة حق إنهاء عقودها الإدارية في أي وقت لدواعي
المصلحة العامة مشيراً ((للإدارة إنهاء العقد الإداري لدواعي المصلحة العامة وفي أي
وقت تشاء ولو لم يقع أي خطأ من المتعاقد على ان يعوض تعويضاً مناسباً)
(14).
في فرنسا تم استثناء عقدي الاشغال العامة والتوريد من الغاء قرار فسخ العقد فيما لو
تبين عدم استناد قرار الفسخ لسبب مشروع. وقد اتسع نطاق مجلس الدولة الفرنسي ليشمل كل
قرار يصدر في مناسبة تنفيذ عقد الاشغال العامة. وعندئذ يقتصر حق المتعاقد في الحصول
على تعويض. وتبدوا العلة في ذلك ان الادارة هي سيدة العمل وينبغي ان تكون هي من يتحكم
في الموقف فقط. وبناء على ذلك لا يجوز الغاء قراراتها حتى لو ثبت ان تلك القرارات صدرت
بصورة غير مشروعة. وهنا يقتصر حق المتعاقد في الحصول على تعويض كامل
(15).
هذا ويترتب على الغاء العقد الإداري فناؤه من الوجود والى ذلك اشارت ادارة الفتوى والتشريع
الكويتية في الفتوى المرقمة 2/1893 المؤرخة 15/12/1976 بخصوص حق جهة الادارة في الغاء
العقد ومصادرة التأمين قائلة: ((ان من المسلم به في العقود الإدارية ان الجهة الإدارية
عند تقريرها الغاء العقد ان تصادر التأمين وذلك على احكام اهمها ان للادارة الحق في
اتخاذ وسائل السلطة العامة في العقد وان تظمنه شروط غير مألوفة يقتضيها حسن ادارة المرفق
العام وسيره بانتظام واستمرار. .فضلاً عن ذلك فأن فأن عودة الطرفين الى الحالة التي
كانا عليها قبل التعاقد لا تعد هي الاثر الوحيد لالغاء العقد او أبطاله ولو كان هذا
الالغاء او الابطال يرجع الى مخالفة النظام العام لانه طبقاً للقواعد العامة يحق للمتعاقد
المضرور ان يطالب الطرف الاخر بالتعويض اذا كان سبب الالغاء او الابطال يرجع الى خطئه))
(16).
وبعد كل ما تم ايراده عن الالغاء ننتقل بالأذهان الى القول ان الإلغاء والفسخ كلاهما
وسيلتان بمقتضاهما ينتهي العقد الا ان الالغاء ينهي العقد بإرادة الإدارة المنفردة
من دون خطأ من جانب المتعاقد مع تعويضه تعويضاً مناسباً. أما الفسخ فيتطلب صدور خطأ
جسيم من جانب المتعاقد، وقد يقترن الفسخ بتعويض عادل أو عدمه حسب الأحوال.
2-تميز
فسخ العقد الإداري عن الاسقاط
الاسقاط
مصطلح تم استخدامه في فرنسا من قبل مفوض الدولة روميو في قضية دبلانك
(17).
كما وقد استعمله مجلس الدولة الفرنسي في 12 ابريل 1935 في قضية شركة Pourel للتوريدات الكهربائية
(18).وخص
بهذا المصطلح فسخ عقد الامتياز فهذا الجزاء يختلف عن الفسخ، فالاخير يتم به وضع حد
للعقود الإدارية كافة بقرار من الادارة اعمالاً لسلطة التنفيذ المباشر، أما الاسقاط
فيتطلب ان يحكم به القاضي المختص الا اذا احتفظت الادارة لنفسها في العقد بهذا الحق
من دون حاجة للجوء الى القضاء
(19).
ويرى بلندو ان الاسقاط جزاء تعاقدي بحت لا يفرض الا اذا نص عليه في العقد ومن ثم يعد
الفسخ بسبب خطأ المتعاقد او اهماله هو الجزاء الذي يحل محل الاسقاط حينما يخلو العقد
من ايراده، وفي هذه الحالة على الادارة التوجه الى القضاء للمطالبة بفسخ العقد استناداً
للقواعد العامة، مع الاشارة الى ان ما نادى به بلندو أنتقده جيز قائلاً من الخطأ اجراء
تمييز بين الفسخ والاسقاط، إذ كلتهما يستهدف ابعاد الملتزم عن المرفق العام. والخلاف
فيما بينهم اختلاف في التعبير ليس الاَّ فالاثنان يتطلبان ارتكاب المتعاقد اخطاء جسيمة،
فضلاً عن انهما يطلبان من القاضي اذا سكتت دفاتر الشروط عن ايرادها
(20).فالاسقاط
جزاء خطير نظراً لما يتحمله الملتزم من نفقات باهضة في سبيل اعداد وتهيئة المرفق، وقد
ذهب القضاء في فرنسا ومصر الى فرض القيود على سلطة الادارة قبل اتخاذها لقرار الاسقاط،
من بينها ان تصدر من جانب الملتزم اخطاء جسيمة
(21).
ويلتزم القضاء في فرنسا بالقاعدة السابقة، وغالباً ما يرفض الحكم بأسقاط الالتزام او
يلغي قرار الادارة به اذا تبين له ان الخطأ المرتكب لا يسوغ ايقاع هذا الجزاء الخطير
ويستعيض عنه بوضع المرفق تحت الحراسة. أما في حالة وجود نص على حق الادارة في ايقاع
جزاء الإسقاط من دون اللجوء الى القضاء فللأخير اذ ما طعن امامه بقرار الاسقاط سلطة
تقديرية في مراقبة مدى ملائمة جزاء الاسقاط لجسامة الفعل المرتكب. يرى جانب من الفقه
الفرنسي امكانية تنازل الادارة عن اختصاصها في ايقاع الاسقاط سواء اكانت مانحة الالتزام
او جهة ادارية اخرى، ولجوئها الى القضاء لطلب النطق به. لاشك ان من شأن هذا الوضع ان
يحول من دون انعزال الادارة عن القضاء كما ويقلل من محاولات التسلط ويجد له سنداً في
احكام القضاء فمجلس الدولة الفرنسي قضى بتاريخ 26 ديسمبر في قضية اذ سمح للادارة اللجوء
الى القضاء لطلب فرض الغرامة بالرغم من وجود شرط عقدي يعترف للادارة بسلطة فرضها بنفسها
(22).
الا ان مجلس الدولة المصري أقر للادارة حق تقرير الاسقاط من دون وساطة القضاء، كما
منح التشريع هذا الحق للادارة ويسوغ هذا الاتجاه القول هناك التزامات تقرر اسقاطها
بقرار من مجلس الوزراء والامثلة على ذلك كثيرة نقتبس منها (قرار مجلس الوزراء في 3
يونيو 1953 بأسقاط التزام شركة سكك حديد الدلتا المساهمة. كما ان بعضها اسقط بقانون
مثل قانون 155 لسنة 1960 القاضي بأسقاط التزامات مرفق نقل الركاب بالسيارات لمدينة
القاهرة وهو ما كان بالامكان اتخاذه بقرار من المجلس البلدي استناداً لقوائم شروط هذه
الالتزامات. كذلك قانون رقم 122 لسنة 1961 بأسقاط التزام مرفق الكهرباء والغاز لمدينة
الاسكندرية، والقانون 123 لسنة 1961 باسقاط التزام شركة ترام القاهرة. فضلاً عن أن
جانباً من الفقه المصري سلم بأتجاه القضاء الفرنسي مراعاة للاعتبارات التي يدور معها
عقد الالتزام مثل النفقات الباهضة التي يتطلبها استغلال المرفق، فضلاً عن تجنب الادارة
أثارة مسؤوليتها عن اسقاط الالتزام فيما لو ثبت عدم صحة تصرفها الفردي
(23)
الا إن جانباً من الفقه العراقي يعارض وجهة النظر المذكورة سابقاً اذ يرى ان التسويغ
الذي يذكره جانب من الفقه المصري لتبني اتجاه القضاء الفرنسي، لا يدعوا الى استثناء
هذه السلطة المعترف بها للادارة نظراً لما تستلزمه عقود الامتياز من مبالغ طائلة شأنها
في ذلك شأن بقية العقود الاخرى، بل ان عقود الاشغال العامة تتطلب مبالغ تفوق ما تستلزمه
عقود الامتياز. فضلا عن أن ان حصر تقرير اسقاط الالتزام بالقضاء هو ما يربك المرفق
العام لا سيما ان المنتفعين سيضطرون خلال فترة اللجوء الى القضاء للوقوع تحت رحمة ملتزم
سيء
(24).
ونحن من جانبنا نرى ضرورة اللجوء الى القضاء لطلب اسقاط الالتزام فضلاً عن مد هذا الحق
ليشمل عقود الاشغال العامة التي لا تقل شأناً او اهمية عن عقود الامتياز، اذ تتطلب
العدالة عدم ترك مسألة انهاء هذه العقود للادارة، ولا سيما اذ كانت الادارة هي من أخطأ
وتحاول اسناد الخطأ الى من يتعاقد معها. أما القول ان المتعاقد يتمكن من الطعن بقرار
الاسقاط امام القضاء فهي مسألة يمكن تلافيها منذ البداية. أما في العراق فلم يتطرق
القانون المدني العراقي الى حالات اسقاط الالتزام او استرداد المرفق العام بالرغم من
قيامه بتنظيم احكام عقد الامتياز. هذا المسلك يعبر عن رغبة المشرع بترك الموضوع لا
رادة الجهة مانحة الالتزام. ونرى ضرورة ايراد مواد تعمل على تكملة نصوص القانون المدني
المتعلقة بعقد الامتياز كي تكتمل الصورة عن الموضوع كاملة.
__________
المصادر:
1- د.سليمان
الطماوي: الاسس العامة للعقود الإدارية،ط1،دار الفكر العربي، 957،ص442.
2- د.
ابراهيم الفياض : العقود الإدارية، مكتبة الفلاح الكويت، 1981، ص224.
3- د.محمد
فؤاد عبد الباسط ، القانون الاداري ، دار الفكر العربي ، 2001 ، ص867 .
4- د.
عبد المجيد فياض : نظرية الجزاءات في العقد الاداري / دراسة مقارنة ، ط1 ، دار الفكر
العربي ، 1975 ، ص271 .
5- د.
محمد فؤاد عبد الباسط : مصدر سابق ، ص 867 .
6- د.
محمود حلمي:موجز،ص241.
7- د.
أعاد علي حمود القيسي: الوجيز في القانون الإداري،ط1،دار وائل للنشر/عمان،1998، ص337.
8- د.
عبد الغني بسيوني:القانون الإداري، دار المطبوعات الجامعية/الاسكندرية، 1998،ص285.
د. احمد عثمان عياد: مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية، القاهرة، 1973، ص255
وما بعدها.
9- د.
احمد عثمان عياد: المصدر السابق،هامش1 ص260.
10-
لقد انكر الفقيه لوليه على الادارة سلطة الانهاء الانفرادي كسلطة مستقلة عن شروط العقد
ونصوص القانون، واستند في ذلك الى الاسانيد نفسها التي استند اليها في انكاره لسلطة
الادارة في تعديل العقد، وهي ثلاثة احكام صادرة عن مجلس الدولة الفرنسي وهي [ حكم مستشفى
شوني 1941، وحكم قرية فيزينيه 1936، وحكم مدينة ليموج 1946]. لمزيد راجع: د.احمد عثمان
عياد:المصدر السابق،ص200-261.
11-
عمرو فؤاد احمد بركات:مباديء القانون الإداري، شركة سعيد رأفت للطباعة/القاهرة،1985،ص557.
12-
د.احمد عثمان عياد:مصدر سابق،ص262.
13-
د.محمد فؤاد عبد الباسط: مصدر سابق،ص872 ومابعدها.
شكرا علي مقال
ردحذف