من الفردية الذاتية للجماعية والتعاون أضحت صناعة العلم ..
من الفردية الذاتية للجماعية والتعاون أضحت صناعة العلم ..
وتدني الأخلاقيات العلمية أكبر الإشكاليات التي تواجه تلك الصناعة وتطورها في الدول النامية
بقلم:
محمود
سلامه الهايشه
Mahmoud
Salama El-Haysha
كاتب وباحث
مصري
ناقش الدكتور/ عبدالله
الحاج – في افتتاحية المجلة العربية عدد ديسمبر 2014، إحدى
الصناعات الثقيلة الهامة في عصر العولمة والمعلوماتية، ألا وهي "صناعة البحث
العلمي"، وعزى ذلك بسبب تحول إنتاج العلوم والمعرفة من الاعتماد على الفرد
الواحد إلى الفريق المجموعة، فلكل باحث دور محدد داخل المنظومة الإنتاجية لإخراج
منتج علمي جديد يعتمد في جودته على مدى ترسخ قيم التعاون واحترام الوقت. وتحول
العلم من الخصوصية المحدودة إلى العالمية بلا حدود، وفجر قضية من أخطر القضايا
التي تعترض البحث العلمي حاليا وهي انهيار قيمة الأمانة العلمية بسبب سهولة الحصول
على الأبحاث والدراسات المتاحة عبر شبكة الإنترنت، والفضائح التي تعرض لها العديد
من العلماء ومشاهير الشخصية العلمية بسبب القص واللص من بحوث الآخرين، أو فبركة
(تزوير) النتائج.
وهناك عدة أسباب لسحب البحث بعد نشره في
إحدى الدوريات العلمية، منها الباحث سرق مقالات لآخرين أو أجزاء منها ونسبها
لنفسه، الباحث خدع المجلة بإعادة تقديم ما سبق نشره (محليا أو دوليا) على أنه بحث
جديد على الرغم من توقيعه على تعهدا على البحث لم يسبق نشره، اكتشاف أخطاء علمية
جسيمة، وعدم قابليتها للتطبيق مرة أخرى، وعدم المنهجية العلمية، وعدم تطبيق الطرق
العلمية والإحصائية المعتمدة في تصميم مثل هذه البحوث وتحليل نتائجها، أو بدون
ابداء أسباب...!!
الجسد العلمي هو المجلات العلمية
والمؤسسات البحثية والتعليمية والتي يجب أن تتحلي بقدر رفيع من الشفافية والمحاسبة. وقد
وصف أحد العلماء الانتحال العلمي والنشر المزدوج بأنهما مثل داء السرطان والذي
كلما تم اكتشافه مبكرا وعلاجه سلم الجسد من مضاعفات المرض.
ومن
أسباب تفشي تلك الظاهرة، غياب برامج تعليم أخلاقيات الكتابة والنشر العلمي لطلبة
الجامعات، وعدم وجود توافر البرامج الإلكترونية لكشف السرقات العلمية بالكليات، انتشار
مكاتب إعداد وكتابة رسائل الماجستير والدكتوراه والتي تعلن عن نفسها صراحة عبر
صفحاتها علي الفيسبوك، ضعف التمويل وعدم توافر الإمكانيات العلمية كالأجهزة
الحديثة والتكنولوجيات المتقدمة والكيماويات والمياه النقية، اعتماد نظم الترقيات
العلمية على البحوث المنشورة بغض النظر عن قيمتها العلمية، وطبيعة نتائجها،
والمشكلات التي تحلها.
صدق أو لا تصدق، فقد استقال رئيس
جمهورية المجر' بال شميت' العام 2012 من منصبه وتم سحب درجة الدكتوراه منه لثبوت
اتهامه بالانتحال العلمي، كما استقالت مطلع العام 2013 وزيرة التعليم الألمانية "أنيت
تشافان" ومن قبلها وزير الدفاع "كارل تيودور لنفس السبب".
وتحت
عنوان (الأهرام يواصل حملة الكشف عن السرقات
العلمية عبر4 مواقع للدوريات العلمية.. ارتفاع عدد المخالفين إلي65 باحثا
وأستاذا جامعيا)، عدد 23 نوفمبر
2013، كتب أشرف امين: قمنا
بتكرار نفس طريقة طريقة البحث عبر مواقع دور النشر العلمية بكتابة كلمتيEgypt وretracted للكشف عن المقالات التي قدمها
علماء وباحثون مصريون وتم سحبها بعد النشر بالمجلات الدولية التابعة لدور نشر مثلSpringer وWiley وهما ثاني وثالث أهم دور نشر
علمية بالترتيب حيث تطرح كل منهما كما هائلا ومتنوعا من المجلات العلمية في كافة
العلوم الأساسية والتطبيقية مثل الرياضيات وعلوم الحاسب والدراسات الطبية والزراعة
والكيمياء وعلوم الفلك كما أن لتلك الدور مواقع تسمي بالمكتبات الإلكترونية والتي
يمكن من خلالها الحصول علي أي دراسة مجانا أو بمقابل مادي. إضافة لذلك قمنا بذات
الرصد عبر محرك البحث PubMed للدراسات
الطبية و GoogleScholar التابع لشركة جوجل والمخصص للأبحاث العلمية الدولية حيث
يمكن من خلاله الوصول مباشرة إلي الدراسة محل البحث وتتيح جوجل أيضا خدمة التنبيه
في حالة العثور مستقبلا علي أي دراسة مخالفة لقواعد النشر. ولعل أهم النتائج
الصادمة التي توصلنا لها بعد أيام من قراءة التقارير هو إدانة رؤساء المجلات
العلمية لـ40 أستاذا وباحثا مصريا بمخالفة قواعد النشر. وإن عدد البحوث التي تم
سحبها هي41 دراسة بسبب إدانة65 باحثا وعالما جميعهم مذكورون بالاسم والتخصص
والكليات أو المراكز البحثية التي يتبعون لها بل وعناوين بريدهم الإلكتروني. وطبقا
لتقارير الإدانة والتي تنوعت أسبابها مابين الانتحال العلمي أو النشر المزدوج أو
الأخطاء العلمية فلقد ظهر تقريران لدار نشر' سبرينجر' بدون تحديد أسباب سحب
المقالتين.
ولنا
في النهاية سؤال، هل كل الأبحاث المسحوبة من دوريات علمية أبحاث مزورة؟!، أم أن
هناك أسباب أخرى غير أخلاقية وغير مادية تخص الباحثين أنفسهم، مثل تهديد شركات
ومصانع كبرى للباحثين بسبب ما توصلوا إليه من نتائج بحثهم لأشياء تضر بصحة الإنسان
والبيئة، مما يعرض مصالحهم للخطر!! وخير مثال على ذلك سحب ناشر لدراسة مثيرة
للجدل، أشارت إلى أن الذرة المعدلة وراثياً تسببت في إصابة فئران التجارب
بالأورام، الجدل من جديد حول سلامة الأغذية المعدلة وراثياً. كما أثار مخاوف من
تسلل جماعات ضغط لصالح الشركات المنتجة للأغذية المعدلة وراثياً إلى الصحافة
العلمية العالمية. وقد نُشرت في 20 سبتمبر 2012، في مجلة «الغذاء وعلم السموم
الكيميائي»، المُحَكَّمة من قِبَل الخبراء. و بحثت الدراسة عن الأعراض العكسية في الفئران
التي تمت تغذيتها بالذرة NK603،
المطورة من قِبَل شركة التقنية الحيوية «مونساناتو»؛ لتقاوم المبيدَ الحشري
جليفوسات. وقد تمت الموافقة على أن الذرة صالحة للاستهلاك البشري و الحيواني في
الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، ودول أخرى. و ذكرت الدراسة أن
معدل الإصابة بالسرطان بين هذه الفئران أصبح عالياً، وأنها أصيبت بأورام سرطانية
ضخمة، وماتت أسرع من جرذان العينة الشاهدة، إلا أن الباحثين لم يتمكنوا من تحديد
آلية هذا التأثير.
ويعتقد
الكثيرون أن سحب هذه الدراسة جاء نتيجة لتخوف الشركات المنتجة للأغذية والنباتات
المحورة وراثياً من فقد مكاسبها الضخمة، وآثار آخرون مخاوف من تسلل جماعات ضغط
لصالح المنتجات المعدلة وراثياً إلى الصحافة العلمية. وقالت البرلمانية الاوروبية
كورين لوباج: "هذا دليل آخر على نفوذ هذه الصناعة؛ وأن هذه المجلة وظفت
محرراً كان باحثا كبيراً في شركة مونسانتو المصنعة لأغذية معدلة وراثياً، و هي
ستسحب الدراسة الوحيدة عن مخاطر هذه المنتجات على صحة الانسان، و هذا سيوقف جهودنا
لإجراء ابحاث حول آثار هذه المنتجات على المدى الطويل”.
تعليقات
إرسال تعليق