حق النقد وجرائم التعبير .. وما هى معايير الفصل والتفرقة بين أسباب الإباحة والتجريم فى ( السب والقذف للموظف العام ) جرائم التعبير وحق النقد؛ والمحكمة المختصة بالفصل؟
حق النقد وجرائم التعبير .. وما هى معايير الفصل والتفرقة بين
أسباب الإباحة والتجريم فى ( السب والقذف للموظف العام ) جرائم التعبير وحق النقد؛ والمحكمة المختصة
بالفصل؟
وأحكام المحكمة الدستورية ومحكمة النقض فى ذلك.
كتب : أيمن محمد عبداللطيف :
معنى النقد،،
النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو
عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به والحط من كرامته
وتعد المعايير التشريعية وأراء فقهاء القانون
وأقضية المحاكم التي تتضمن مبادئ جديدة، من أهم المصادر التي يستقي منها المشرع أحكامه
وهو بصدد سن التشريعات المختلفة، فضلاً عن انها محل استئناس القضاء . خاصة وان من
المتوقع ان يباشر المشرع في سن التشريعات التي
تنظم حرية التعبير ومنها حق النقد وفقاً للقواعد الدستورية.
ومعايير النقد هنا التمييز بين ما يعد من
جرائم الرأي وما يعد ممارسة لحرية التعبير وحق النقد التي نصت عليها الدساتير والمواثيق
الدولية صراحة او ضمنا من خلال إطلاق الحريات العامة مقترنة بضابط النظام العام والآداب
العامة، ولما كانت الدساتير والقوانين لا تتضمن عادة تفصيلاً لمثل هذه المعايير وان
الدستور واجب التنفيذ والاحترام، فقد تولى الفقه والقضاء في مختلف دول العالم وضع هذه
المعايير مشتقاً إياها من مفهوم النظام العام والآداب العامة السائدة في المجتمع وقواعد
المنطق والأعراف المهنية وقواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي باعتبارها مصادر لما
فات المشرع ان ينص عليه في الدستور والقوانين المختلفة، وقد يكون ذلك عن قصد منه إيمانا
منه
ان مثل هذه الأفكار تتطور بفعل الزمن وانه
ليس من الحكمة حصرها في نصوص قد لا تتطابق مع التطورات المتسارعة والمذهلة في حياة
البشر فترك أمرها لحسن تقدير ونظر الفقه والقضاء ، ايماناً منه بان القضاء المستقل
هو من يتولى خط الدفاع الاول عن الحقوق والحريات العامة ضد كل اعتداء يرد عليها من
أية جهة كانت.
وقد
تناول المقال دراسة جريمة القذف وحق النقد كنموذجين لاشتقاق المعايير اللازمة للتفرقة
بين ما يعد جريمة وما يعد ممارسة لحق دستوري.
وينبغي ملاحظة ان البحث الفقهي في هذا المقام
والاستشهاد بأقضية المحاكم لا يعني القول الفصل في الموضوع، لان الكثير من الوقائع
المتصلة بمثل هذه المسائل تتصل بالسلطة التقديرية لقاضي الموضوع حسب ظروف كل قضية،
حرية الفكر نظريا وعمليا واقعيا ..
لحرية الرأي والتعبير قيمة عليا في حياة
الناس، وهي من مصادر الخلق والإبداع وتنمية الخيال الأدبي والفني في كل الاتجاهات الممكنة،
فضلاً عن انها تعطي الأمل والثقة للناس في قيام نظام اجتماعي وسياسي سليم يحترم
الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبي. وتعطي حرية التعبير للإنسان قدرة المشاركة بإخلاص
وفعالية في الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة في دفع التقدم الاجتماعي إلى الأمام
مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعي وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة
القائمة على المصالح الشخصية البحتة التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات.
*(ويقول الشاعر بيرم التونسي، وهو يتعرض
لأهمية حرية التعبير وممارسة حق النقد، (.. ولولا النقاد لهلك الناس، وطغى
الباطل على الحق، ولا متطى الأراذل ظهر الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت
الدجال)*.
وحرية التعبير لا تعني تعليق الحرية على
صحة التعبير او على مدى مطابقته لمعايير جامدة لا يمكن ان تتطور بتطور المجتمع، وانسجاما
مع ذلك ذهبت المحكمة الدستورية العليا في مصر في حكم لها بشأن حرية الرأي بشكل عام
إلى القول (... حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها، ليس معلقاً على صحتها،
ولا مرتبطاً بتمشيها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التي يمكن
ان تنتجها، وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير ان تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة
في أعماق منابتها بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام فلا تكون
معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقاً دون تدفقها.
وحيث
إن من المقرر كذلك إن حرية التعبير ، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها ، لا يجوز تقيدها
بأغلال تعوق ممارستها ، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة عليه نشرها ، أو من ناحية العقوبة
اللاحقة التي تتوخي قمعها · بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها -وعلانية - تلك الأفكار
التي تجول في عقولهم ، فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزماً ولو عارضتها السلطة
العامة - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا · فالحقائق
لا يجوز إخفاؤها ، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير
· )
ثانيا:
جريمة القذف
تعريف
القذف :-
هو إسناد
واقعة محددة تستوجب عقاب من تنسب إليه أو احتقاره إسناداً علنياً ، فقوام القذف فعل
الإسناد والقذف جريمة عمدية على الدوام .
وينص
قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم ۱٤۷ لسنة
۲۰۰٦، حددت المادة ۳۰۳ عقوبة القذف بالنص: ” يعد قاذفاً كل من
أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة ۱۷۱۱ * من هذا القانون ، أموراً لو كانت صادقة
لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً ، أو أوجبت احتقاره عند
أهل وطنه ، و يعاقب على القذف بغرامة لا تقل عن ۷ آلاف وخمسمائة جنيه ولا تزيد على ۲۲ ألف و۵۰۰ جنيه.
* المادة
۱۷۱ من قانون العقوبات تنص على الآتي ” كل من
حرض واحداً أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علناً أو بفعل أو إيماء
صدر منه علناً أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من
طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكا فى فعلها
ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل
” .
فإذا وقع القذف في حق موظف عام أو شخص ذي
صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة
العامة، كانت العقوبة الغرامة التي لا تقل عن ۱۵ ألف جنيهاً ولا تزيد على ۳۰ ألف جنيهاً.
أركان
القذف : -
يفترض
القذف فعل إسناد وينصب هذا الفعل على واقعة يشترط فيها شرطان : -
أن تكون
واقعة محددة وأن يكون من شأنها عقاب من أسندت إليه أو احتقاره .
أن يكون
هذا الإسناد علنياً ( النشر ) .
وهذه
العناصر يقوم بها الركن المادي للقذف ، بينما يتطلب القذف بالإضافة إلى ذلك ركناً معنوياً
يتخذ صورة القصد الجنائى .
الركن
المادى :
قوامه عناصر ثلاثة نشاط إجرامى هو فعل الإسناد
وموضوع لهذا النشاط هو الواقعة المحددة التي من شأنها عقاب من أسندت إليه أو احتقاره
، وصفة لهذا النشاط هو كونه علنياً .
الركن
المعنوى :
القذف فى جميع حالاته جريمة عمدية ولذلك
يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائى وقد استقر القضاء على اعتبار القصد المتطلب
فى القصد قصداً عاماً ، فإذا كان القذف متطلباً القصد فى جميع صوره مؤدى ذلك أن الخطأ
غير العمدى لا يكفي لقيامه ، و قيل أن عناصر القصد لابد أن تنصرف إلى جميع أركان الجريمة
،
يتعين
أن يعلم المتهم بدلالة الواقعة التى يسندها إلى المجني عليه .
يتعين
أن يعلم بعلانية الإسناد .
يتعين
أن تتوافر لديه إرادة الإسناد وإرادة العلانية .
الظروف
المشددة فى عقوبة القذف : -
منها ظرفان يرجعان إلى صفة المجني عليه
كالقذف فى حق الموظف العام أو من فى حكمه ، وهناك ظرف متعلق بوسيلة القذف وهى ارتكاب
الجريمة بطريق النشر ، والظرف الأخير يتعلق بنوع وقائع القذف تضمن الطعن فى عرض الأفراد
أو خدشاً لسمعة العائلات .
تعريف
السب :-
السب
هو خدش شرف شخص واعتباره عمداً دون أن يتضمن ذلك اسناد واقعة معينة إليه .
أركان
السب العلني :- يقوم السب العلنى على ركنين مادي هو خدش الشرف والاعتبار بأى وجه من
الوجوه دون أن يشتمل ذلك على إسناد واقعة معينة ، وركن معنوي يتخذ صورة القصد الجنائى
.
الركن
المادي : - يقوم هذا الركن على عنصرين ..
نشاط
من شأنه خدش الشرف أو الاعتبار بأى وجه من الوجوه .
صفة
هذا النشاط الذي يتعين أن يكون علنياً ، دون إسناد واقعة محددة إلى المجني عليه .
الركن
المعنوى :
السب
فى جميع حالاته جريمة عمدية ومن ثم يتخذ ركنه المعنوي صورة القصد الجنائي والقصد فى
السب قصد عام عنصراه العلم والإرادة ، وليس من عناصره توافر باعث معين أو نية متجهة
إلى غاية ليست فى ذاتها من عناصر الركن المادى فى السب .
نصت
المادة ٣٠٢ من قانون العقوبات على أنه "يُعد قاذفًا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى
الطرق المبينة بالمادة ١٧١ من هذا القانون أمورًا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت
إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عن أهل وطنه"، ومع ذلك فالطعن
في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة
السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة
وبشرط أن يثبت المتهم حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه.
وقوام
القذف فعل الإسناد والقذف جريمة عمدية على الدوام، أما السب: هو خدش شرف شخص واعتباره
عمدا دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة إليه.
- جريمة
القذف
ويقول
أيمن محمد عبداللطيف : إن هذه الجرائم لها ركنان أساسيان، أولهما أركان جريمة القذف،
منوها بأن القذف هو فعل إسناد وينصب هذا الفعل على واقعة يشترط فيها شرطان أن تكون
محددة وأن يكون من شأنها عقاب من أسندت إليه أو احتقاره ويتعين أن يكون هذا الإسناد
علنيا وهذه العناصر يقوم بها الركن المادى للقذف ويتطلب القذف بالإضافة لذلك ركنًا
معنويًّا يتخذ صورة القصد الجنائى ومعنى ذلك أن للقذف ركنين مادى وركن معنوى. مثال
ذلك قيام شخص بقذف آخر "يا حرامي يا مرتشي يا نصاب ... الخ".
- جريمة
السب
وأضاف
أن السب العلنى يقوم على ركنين مادى هو خدش الشرف والاعتبار بأى وجه من الوجوه دون
أن يشتمل ذلك على إسناد واقعة معينة وركن معنوى يتخذ دائما صورة القصد الجنائى.. مثال
ذلك أن يقوم شخص بسب آخر "يا ابن ٠٠٠الخ".
وأشار أيمن محمد عبداللطيف إلى أنه لابد
من توافر ركن العلانية في الجريمتين ، لأن ركن العلانية وهو شرط ضرورى كما انه
، نصت عليه المادة ٣٠٢ من قانون العقوبات
على أنه يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة ١٧١ من هذا
القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا"،
كما تنص الفقرة الأخيرة من المادة ١٧١ من قانون العقوبات على أنه "تعتبر الكتابة
والرسوم والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل علنية إذا وزعت بغير تمييز على
عدد من الناس" .
وأوضح أيمن محمد عبداللطيف أنه بالنسبة
للسب والقذف عبر مواقع التواصل الاجتماعي فإنه من المستقر عليه قانونا تجريم فعل الإزعاج
العمدي أو المضايقة المتعمدة للغير عن طريق إساءة استعمال أجهزة الاتصالات والمقصود
بالإزعاج أو المضايقة هنا هو أن يقوم أحد الأشخاص باستعمال أجهزة الاتصالات بطريقة
يزعج بها الطرف الآخر أو يضايقه وجرم المشرع هذا الفعل.
وأكد أيمن محمد عبداللطيف ، أنه إذا وقع
السب والقذف عن طريق أي جهاز اتصالات سواء كان التليفون أو جهاز الحاسب الآلي المستقبل
للبيانات والمعلومات أو البريد الإلكتروني أو الرسائل الإلكترونية أو الإنترنت أو الاتصال
التليفزيوني أو غيرها من وسائل الاتصالات الأخرى فأي إزعاج أو مضايقة تتم عبر جميع
هذه الأجهزة يشكل جريمة طبقًا للمادة ٧٦ في فقرتها الثانية من قانون الاتصالات.
وأضاف أن من يقوم بإرسال رسائل عبر شبكة
الإنترنت أو على التليفون المحمول تتضمن إزعاج أو مضايقة لمستقبلها يكون مرتكبا لهذه
الجريمة وعلى المحكمه تحديد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل إزعاجا أو مضايقة للمتلقي
من عدمه فهي مسألة موضوعية تختلف من حالة إلى حالة أخرى.
- القذف
فى حق موظف عام أو صفة نيابية
أكد أيمن محمد عبداللطيف أنه بالنسبة للقذف
بحسن نية فى حق موظف عام أو صفة نيابية، تنص الفقرة الثانية من المادة ٣٠٢ من قانون
العقوبات على أنه: "ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة
أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى
أعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة وبشرط ان يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل
أسند إليه" .
وأوضح
أن القانون يشترط لعدم العقاب على القذف الموجه إلى الموظف أو من هو في حكمه توافر
ثلاثة شروط:
الأول:
هو حسن النية
الثانى:
أن تكون العبارات خاصة بأعمال الوظيفة
الثالث:
إثبات صحة وقائع القذف كلها.
وأشار أيمن محمد عبداللطيف. إلى أنه بالنسبة
للعقوبة فإن المستقر عليه بنص المادة ٣٠٦ من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم
٩٥ لسنه ١٩٩٦ "كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه
خدشًا للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة ١٧١ بالحبس مدة لا
تجاوز سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين".
كما
تنص المادة ٣٠٨ على أنه: "إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب الذي ارتكب
بإحدى الطرق المبينة في المادة ١٧١ طعنًا في عرض الأفراد أو خدشًا لسمعة العائلات تكون
العقوبة الحبس والغرامة معًا على ألا تقل الغرامة في حالة النشر في إحدى الجرائد أو
المطبوعات عن نصف الحد الأقصى وألا يقل الحبس عن ستة شهور" .
مادة
٣٠٨ مكررًا "كل من قذف بغيره بطريق التليفون يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في
المادة ٣٠٣. وكل من وجه إلى غيره بالطريق المشار إليه بالفقرة السابقة سبًا لا يشتمل
على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشًا للشرف أو الاعتبار يعاقب بالعقوبة
المنصوص عليها في المادة ٣٠٦ وإذا تضمن العيب أو القذف أو السب الذي ارتكب بالطريق
المبين بالفقرتين السابقتين طعنًا في عرض الأفراد أو خدشًا لسمعة العائلات يعاقب بالعقوبة
المنصوص عليها في المادة ٣٠٨.
تعرف على اختصاصات نيابة أمن الدولة
العليا
"أمن
الدولة العليا" هي نيابة متخصصة صدر بإنشائها وتحديد الجرائم التي تختص بتحقيقها
والتصرف فيها قرار وزير العدل بتاريخ 8 مارس 1953 والقرارات اللاحقة بتعديل اختصاصها.
تتولى التحقيق فيما يقع من جرائم بدائرة
محافظتي القاهرة والجيزة، ويجوز لها تحقيق ما يقع في الجهات الأخرى، وعلى أعضاء النيابة
بدائرة المحافظتين المذكورتين المبادرة إلى إخطار نيابة أمن الدولة العليا بما يقع
من تلك الجرائم فور وقوعها لتتولى تحقيقها بنفسها.
وتختص
نيابة أمن الدولة العليا بالتصرف فيما يقع في كافة أنحاء الجمهورية من الجرائم الآتية:
1 ـ
جرائم الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج ومن جهة الداخل، وجرائم المفرقعات
والرشوة والجنح المتعلقة بالأديان والجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها.
2 ـ
الجنايات التي يصدر بها أو بإحالتها إلى محاكم أمن الدولة العليا أمر من رئيس الجمهورية
طبقا لأحكام القانون رقم 162 لسنه 1958 بشأن حالة الطوارئ.
3 ـ الجرائم التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها
من طرق النشر إذا كان المجني عليه موظفا عاما أو شخصًا ذا صفة نيابية عامة أو مكلفًا
بخدمة عامة.
4 _جرائم الإضراب عن العمل والتحريض عليه
وتحبيذه وكذلك الاعتداء على حق العمل وحريته والتوقف عنه بالمصالح ذات المنفعة العامة.
5 ـ
جرائم التجمهر، والتجمهر في الطرق العمومية.
كما
تم إضافة اختصاصات أخرى للنيابة وهي أن تتولى مسؤولية التحقيق في جرائم تعطيل المواصلات،
وجرائم الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة "البلطجة"، وجرائم الأسلحة والذخائر،
والجرائم المتعلقة بالتموين والتسعير الجبري وتحديد الأرباح والقرارات المنفذة له،
وكذلك الجرائم التي تمس الحفاظ على حرمة أماكن العبادة.
وشملت اختصاصات نيابة أمن الدولة العليا
أيضًا، التحقيق في جرائم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت، والجرائم التي تمس
تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية، والجرائم المنصوص عليها
في قانون مكافحة الإرهاب، فضلا عن الجرائم المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني
مكرر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.
*( حكم محكمة النقض مؤيد لحق
النقد فى النشر )*
( جلسة
8 من فبراير سنة 1995)
برئاسة
السيد المستشار/ مصطفى حسيب - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ شكري العميري
- نائب رئيس المحكمة، د/ سعيد فهيم، علي جمجوم ومحمد درويش.
(68)
الطعن
رقم 1512 لسنة 59 القضائية
(1،
5) مسئولية "مسئولية تقصيرية" "المسئولية عن النشر". حق
"حق النشر والنقد". دستور. محكمة الموضوع.
(1)
حرية الصحفي في نشر ما يَحْصُل عليه من أنباء أو معلومات أو إحصائيات من مصادرها ما
دام ملتزماً في ذلك حدود القانون. م 5 ق 48 لسنة 1980.
(2) كفالة الدستور حرية التعبير عن الرأي
وحرية الصحافة والطباعة والنشر وحرية البحث العلمي والإبداع الثقافي والأدبي. المواد
47، 48، 49 من الدستور. مؤداه. إباحة أداء وسيلة الإعلام الذي ينطوي على ما يمس شرف
الأشخاص إذا كان هذا الأداء غير ممكن في الصورة التي تقتضيها مصلحة المجتمع بدون هذا
المساس.
(3) إباحة حقي النشر والنقد. شرطها. صحة
الواقعة موضوع النشر أو الاعتقاد بصحتها وطابعها الاجتماعي واقتصار الصحفي أو الناقد
على نشر الخبر أو توجيه النقد بأسلوب موضوعي مع استعمال العبارة الملائمة وقيام حسن
النية. تجاوز ذلك إلى حد الطعن والتشهير. أثره.
(4)
ملائمة العبارة. ضابطها. ثبوت ضرورتها لتعبير الناقد عن رأيه بحيث أنه لو استعمل عبارات
أقل عنفاً لم يكن لفكرته أن تحظى بالوضوح الذي يريده والتأثير الذي يهدف إليه. تقدير
التناسب بين العبارة من حيث شدتها وبين الواقعة من حيث أهميتها الاجتماعية. من سلطة
قاضي الموضوع.
(5)
حسن النية في
نشر الأخبار وإبداء الرأي والنقد. ماهيته.
(6) تعويض. مسئولية "المسئولية التقصيرية.
محكمة الموضوع. مسائل القانون" نقض "سلطة محكمة الموضوع".
تكييف محكمة الموضوع للفعل المؤسس عليه
طلب التعويض بأنه خطأ من عدمه. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
1 - النص في المادة الخامسة من القانون
148 لسنة 1980 في شأن سلطة الصحافة يدل على أن للصحفي الحق في نشر ما يحصل عليه من
أنباء أو معلومات أو إحصائيات من مصدرها ما دام ملتزماً في ذلك حدود القانون باعتبار
أن الصحافة تُحَقِق مصلحة المجتمع في أن يعلم أفراده ما يجري فيه حتى يُتَاح لهم الاطلاع
على قدر مشترك من القيم الاجتماعية فتكون رباطاً يجمع بينهم وهي سبيله إلى التطور باعتبار
أن نشر الخبر الصحيح وتوجيه النقد البناء هما الأساس والمنطلق للكشف عن العيوب القائمة
والتمهيد لظهور جديد بفضل القديم والتنبيه إلي الأضرار التي تترتب على التصرفات التي
تَصْدُر من بعض الأشخاص والدعوة إلى تلافيها.
2 - أكد الدستور على الأهمية الاجتماعية
للصحافة فنص في المادة 47 على أن حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره
بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد
الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني وفي المادة 48 على أن حرية الصحافة
والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها
أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظوراً وفي المادة 49 على أن تَكْفْل الدولة للمواطنين
حرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك
بل أن أداء وسيلة الإعلام قد ينطوي على ما يمس شرف أحد الأشخاص في صورة قذفه بعبارات
قاسية بحيث يتبين أن أداء هذه الوظيفة غير ممكن في الصورة التي تقتضيها مصلحة المجتمع
بدون هذا المساس فإذا ثبت ذلك تعين إباحة هذا المساس ترجيحاً بين حقين أحدهما أكثر
أهمية من الآخر.
3 - إذا كان سند إباحة حق النقد على نحو
ما سلف هو استعمال الحق وما يقتضيه من وجوب توافر الشروط العامة لهذا الاستعمال ومنها
صحة الواقعة أو الاعتقاد بصحتها وطابعها الاجتماعي كشرط لتحقيق المصلحة الاجتماعية
التي تقوم عليها تلك الإباحة ذلك لأن المجتمع لا يستفيد من نشر خبر غير صحيح أو نقد
يقوم على تزييف الحقائق وتشويهها أو يتناول واقعة تمس الحياة الخاصة لشخص معين ولا
تهم المجتمع في شيء كذلك يشترط لإباحة هذين الحقين موضوعية العرض واستعمال العبارة
الملائمة وتعني أن يقتصر الصحفي أو الناقد على نشر الخبر أو توجيه النقد بأسلوب موضوعي
فلا يلجأ إلى أسلوب التهكم والسخرية أو يستعمل عبارات توحي لقارئه بمدلول مختلف أو
غير ملائمة أو أقسى من القدر المحدد الذي يقتضيه عرض الواقعة أو التعليق عليها وفي
ذلك تقول محكمة النقض "أنه وإن كان للناقد أن يشتد في نقد أعمال خصومة ويقسوا
عليهم ما شاء إلا أن ذلك كله يجب ألا يتعدى حد النقد المباح فإذا خرج ذلك إلى حد الطعن
والتشهير والتجريح فقد حقت عليه كلمة القانون.
4 - ضابط ملائمة العبارة هو ثبوت ضرورتها
لتعبير الناقد عن رأيه بحيث يبين بأنه لو كان قد استعمل عبارات أقل عنقاً فإن فكرته
لم تكن لتحظى بالوضوح الذي يريده وأن رأيه لن يكن له التأثير الذي يهدف إليه وقاضي
الموضوع هو صاحب السلطة المطلقة في تقدير التناسب بين العبارة من حيث شدتها وبين الواقعة
موضوع النقد من حيث أهميتها الاجتماعية.
5 - يشترط للإباحة حُسْن النية ويعني أن
يكون الهدف من نشر الخبر أو توجيه النقد هو تحقيق مصلحة المجتمع لا التشهير والانتقام.
6 - المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة
- أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل
القانون التي يخضع فيها قضاء محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض.
المحكمة
بعد
الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد
المداولة.
حيث
إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون
فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 6328 لسنة 1983 مدني الإسكندرية
الابتدائية على الطاعنين بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ خمسمائة
ألف جنيه وقال بياناً لها إن جريدة المساء التي يمثلها الطاعن الأول نشرت في عددها
الصادر بتاريخ 3/ 12/ 1982 وقائع كاذبة فزعمت أنه قد أطلق حول عقاره المبين بالصحيفة
الإشاعات المخيفة لكل من يرغب في استئجار وحدة سكنية فيه, كما عمدت أن تنسب إليه زوراً
ما لم يصدر عنه حيث روت على لسان بعض الأشخاص أنهم قابلوه فحذرهم من السكنى فيها لأن
بها عفاريت شريرة. ثم راحت تستعدى السلطات الحكومية لاتخاذ قرار للقضاء على هذه الخرافة،
وفي الوقت الذي يعد فيه الرد على هذه الأكاذيب فوجئ بمقال ثان في ذات الجريدة بتاريخ
17/ 12/ 1982 في صدر صفحتها الأولى نشرت فيه تصريحات منسوبة لبعض المسئولين بأنه حصل
على مواد البناء بأسعار مدعمة وإزاء هذه الوقائع المكذوبة وعملاً بحقه المقرر في المادة
9 من القانون 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة وجه إلى هذه الجريدة إنذاراً بتاريخ
26/ 12/ 1982 لتمكينه من الرد عليها على أن يتم النشر في ذات المكان وبما لا يزيد عن
ضعف ما نشر طبقاً للنص المذكور إلا أنها أمعنت في الخطأ ونشرت جزاءً مبتوراً من رده
في آخر صفحاتها الداخلية وبما يحمل على التشكيك في صحته وإذ كانت تلك الأخطاء التقصيرية
المتلاحقة قد سببت له أضراراً مادية وأدبية تتمثل في إحجام الناس عن التعامل معه مما
فوت عليه كسباً ضخماً وألحق به خسارة حالة بالإضافة إلى ما نال سمعته واعتباره من مساس
يقدر التعويض الجابر لها بالمبلغ المطالب به فقد أقام دعواه. بجلسة 10/ 12/ 1987 قضت
المحكمة بإلزام الطاعنين بصفتيهما متضامنين بأن يدفعا للمطعون ضده تعويضاً مادياً وأدبياً
مقداره 2000 جنيه. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 1349 لسنة 43 ق الإسكندرية
كما استأنفه المطعون ضده بالاستئناف رقم 43 لسنة 44 ق وبتاريخ 15/ 2/ 1989 حكمت المحكمة
بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة
أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة
حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث
إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعي الطاعنان بها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق
القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيانهم
يقولان إنهما تمسكا في دفاعهما بأن ما نشرته جريدة المساء عن أراء بعض الجماهير والمسئولين
بحي شرق الإسكندرية عن سبب إغلاق عمارة المطعون ضده مدة عشرين عاماً دون تشطيب وتصديها
للشائعة بأن عفاريت الجن تسكنها قد تم في حدود الحق المباح لها قانوناً في النشر والنقد,
ولم تخرج به عما يقتضيه حسن النية بدليل إتاحتها للمطعون ضده نشر رده على تلك الآراء,
وإذ طلبا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات انتفاء ركن الخطأ في حقهما, إلا أن الحكم
المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفاع وأقام قضاءه بالتعويض على أن تلك الجريدة نشرت
في عدديها الصادرين بتاريخي 3, 17/ 12/ 1982 عن اتهام المطعون ضده في جناية أمن دولة
مع آخرين لحصولهم على مواد البناء بتقديم بيانات غير صحيحة وبأن ما نشر قد سبب له أضراراً
تتمثل في احتقاره عند أهل وطنه والإحجام عن التعامل معه وامتناع الجهات المختصة عن
إصدار الترخيص له بتحويل عمارته إلى فندق سياحي رغم خلو العددين سالفي الذكر من النشر
عن هذا الاتهام ورغم أن الثابت بالأوراق أن المطعون ضده هو الذي عمد إلى إغلاق عمارته
مدة تزيد عن عشرين عاماً دون تشطيب وأن تقدمه إلى الجهات المختصة للترخيص له بتحويلها
إلى فندق سياحي ورفض تلك الجهات الترخيص له بذلك كان سابقاً على النشر بما ينتفي معه
القول بأن النشر كان سبباً في امتناع تلك الجهات عن الموافقة على هذا التحويل هو ما
يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذه الأسباب في محله ذلك
أنه لما كان نص في المادة الخامسة من القانون 148 لسنة 1980 في شأن سلطة الصحافة وعلى
ما جرى به قضاء هذه المحكمة يدل على أن للصحفي الحق في نشر ما يحصل عليه من أنباء أو
معلومات أو إحصائيات من مصدرها ما دام ملتزماً في ذلك حدود القانون باعتبار أن الصحافة
تُحَقِق مصلحة المجتمع في أن يعلم أفراده ما يجري فيه حتى يُتَاح لهم الاطلاع على قد
مشترك من القيم الاجتماعية فتكون رباطاً يجمع بينهم وهي سبيله إلى التطور باعتبار أن
نشر الخبر الصحيح وتوجيه النقد البناء هما الأساس والمنطلق للكشف عن العيوب القائمة
والتمهيد لظهور حديد بفضل القديم والتنبيه إلي الأضرار التي تترتب على التصرفات التي
تَصْدُر من بعض الأشخاص والدعوة إلى تلاقيها وقد أكد الدستور هذه الأهمية الاجتماعية
فنص في المادة 47 على أن "حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره
بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد
الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني" وفي المادة 48 على أن
"حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة
وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور" وفي المادة 49 على أن
"تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي وتوفر
وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك" بل أن أداء وسيلة الإعلام قد ينطوي أحياناً
على ما يمس شرف أحد الأشخاص في صورة قذفه بعبارات قاسية بحيث يتبين أن أداء هذه الوظيفة
غير ممكن في الصورة التي تقتضيها مصلحة المجتمع بدون هذا المساس فإذا ثبت ذلك تعين
إباحة هذا المساس ترجيحاً بين حقين أحدهما أكثر أهمية من الآخر إذا كان سند إباحة حق
البشر وحق النقد على نحو ما سلف هو استعمال الحق وما يقتضيه من وجوب توافر الشروط العامة
لهذا الاستعمال ومنها صحة الواقعة أو الاعتقاد بصحتها وطابعها الاجتماعي كشرط لتحقق
المصلحة الاجتماعية التي تقوم عليها تلك الإباحة ذلك لأن المجتمع لا يستفيد من نشر
خبر غير صحيح أو نقد يقوم على تزييف الحقائق وتشويهها أو يتناول واقعة تمس الحياة الخاصة
لشخص معين ولا تهم المجتمع في شيء كذلك يشترط لإباحة هذين الحقين موضوعية العرض واستعمال
العبارة الملائمة وتعني أن يقتصر الصحفي أو الناقد على نشر الخبر أو توجيه النقد بأسلوب
موضوعي فلا يلجأ إلى أسلوب التهكم والسخرية أو يستعمل عبارات توحي لقارئه بمدلول مختلف
أو غير ملائمة أو أقسى من القدر المحدد الذي يقتضيه عرض الواقعة أو التعليق عليها وفي
ذلك تقول محكمة النقض "أنه وإن كان للناقد أن يشتد في نقد أعمال خصومة ويقسموا
عليهم ما شاء إلا أن ذلك كله يجب ألا يتعدى حد النقد المباح فإذا خرج ذلك إلي حد الطعن
والتشهير والتجريح فقد حقت عليه كلمة القانون. وما من شك في أن ضابط ملائمة العبارة
هو ثبوت ضرورتها لتعبير الناقد عن رأيه بحيث يتبين بأنه لو كان قد استعمل عبارات أقل
عنفاً فإن فكرته لم تكن لتحظى بالوضوح الذي يريده وأن رأيه لن يكون له التأثير الذي
يهدف إليه وقاضي الموضوع هو صاحب السلطة المطلقة في تقدير التناسب بين العبارة من حيث
شدتها وبين الواقعة موضوع النقد من حيث أهميتها الاجتماعية. ويُشَتَرط أخيراً لتلك
الإباحة حُسْن النية ويعني أن يكون الهدف من نشر الخبر أو توجيه النقد هو تحقيق مصلحة
المجتمع لا التشهير والانتقام، فإذا توافر لهذين الحقين تلك الشروط التي يتطلبها القانون
فلا خطأ ولا مسئولية. لَمَّا كان ذلك وكان المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة
- أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل
القانون التي يخضع فيها قضاء محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض. وكان الثابت بالأوراق
أن ما نُشِرَ بالصحيفة التي يمثلها الطاعن الأول بعدديها الصادرين بتاريخي 3 ،17/
12/ 1982 قد اقتصر على تناول آراء بعض المواطنين والمسئولين بحي شرق الإسكندرية وعلى
القرارات والتوصيات السابق صدورها بشان عقار المطعون ضده وما أثير حوله من شائعات بشأن
سكن عفاريت الجن به وسد مدخله بجدار وتركه دون تشطيب مدة تزيد على عشرين عاماً بقصد
تحويله من السكنى إلى فندق سياحي وأنها التزمت فيه الخبر الصحيح والنقد المباح والعبارة
الملائمة دون أن تتجاوز ذلك إلى حد الطعن أو التجريح أو التشهير بالمطعون ضده أو الانتقام
منه وكان هدفها من ذلك هو تحقيق مصلحة المجتمع من التصدي لمثل هذه الشائعات الخرافات
ومحاربة الاستغلال بكل صوره بما يتوافر به حُسْن النية في حقها وينفي الخطأ في جانبها،
وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه بالتعويض على أن ما نشرته الصحيفة
حول هذا الموضوع وحول اتهام المطعون ضده في جناية أمن دولة مع آخرين لحصولهم على مواد
البناء بأسعار مدعمة بتقديم بيانات غير صحيحة يُمَثِل خطأ في حقه ويستوجب احتقاره عند
أهل وطنه رغم خلو العددين سالفي الذكر من النشر عن هذا الالتهام فإنه يكون قد أخطأ
في تطبيق بما يوجب نقضه.
وحيث
إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم يتعين القضاء في موضوع الاستئنافين بإلغاء الحكم
المستأنف وبرفض الدعوى.
*( حكم المحكمة الدستورية العليا
)*
المحكمة
الدستورية العليا المصرية
قضية
رقم 42 لسنة 16 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
مبادئ
الحكم: حرية التعبير - حق الدفاع - حق النقد - دستور - قانون –
المحكمة
الدستورية العليا المصرية فى حق النقد
قضية
رقم 42 لسنة 16 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
مبادئ
الحكم: حرية التعبير - حق الدفاع - حق النقد - دستور - قانون - مبدأ
المساواة
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة
الدستورية العليا
بالجلسة
العلنية المنعقدة في يوم السبت 20 مايو سنة 1995 م، الموافق 20 ذو الحجة
سنة 1415 هـ
برئاسة السيد
المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر
رئيس المحكمة
والسادة
المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج يوسف
والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله
أعضاء
وحضور السيد
المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي
رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد/
حمدي أنور صابر
أمين السر
أصدرت
الحكم الآتي
في القضية
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 42 لسنة 16 قضائية "دستورية".
المقامة من
الدكتور/
...
ضد
1- السيد/
رئيس الجمهورية
2- السيد/
رئيس الوزراء
3- السيد/
رئيس مجلس الشعب
4- السيد/
رئيس مجلس الشورى
5- السيد/
وزير العدل
6- السيد/
النائب العام
7- الدكتور/
...
8- الدكتور/
...
9- السيد/ ...
الإجراءات
بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1994 أودع المدعي
صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثانية
من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية من إلزام المتهم بارتكاب جريمة القذف بطريق
النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له، وعلى
الأكثر في الخمسة الأيام التالية، بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى الموظف العام أو
شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار إليه
في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها
الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين
تقريرا برأيها.
وقد نظرت الدعوى على الوجه المبين
بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد
الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث
إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة
كانت قد أقامت الدعوى الجنائية في القضية رقم 1072 لسنة 1994 جنح السيدة زينب ضد المدعى
وآخرين بوصف أنهم خلال الفترة من 28/8/1992 وحتى 21/11/1992 بدائرة قسم السيدة زينب
بمحافظة القاهرة قذفوا وسبوا الدكتور/ ... وآخرين في علانية بطريق النشر، وكان ذلك
بسبب أداء المجني عليهما الأول والثاني لأعمال وظيفتهما بأن قدم المتهم الأول
"المدعي" - بسوء نية - إلى المتهمين من الثاني حتى الخامس بيانات ومعلومات
غير صحيحة بقصد نشرها، أسند فيها إلى المجني عليهم أمورا لو صدقت لأوجبت عقابهم واحتقارهم
عند أهل وطنهم، وذلك بأن أسند إليهم فيها التربح من أعمال وظائفهم في عمليات المناقصات
والمزايدات الخاصة بتركيب شبكة الغازات الطبية والتكييف المركزي بكلية طب قصر العيني،
والإعلان عن مناقصة لشبكة الغازات الطبية وإلغائها أكثر من مرة بغية إسنادها للمدعو
... صهر المجني عليه الأول بطريق الأمر المباشر. فقام المتهمون
من الثاني إلى الخامس بنشر هذه الأمور بعبارات وألفاظ تصفهم بالتربح من أعمال وظائفهم،
وإهدار المال العام والسرقة، وذلك بقصد الإساءة والتشهير بالمجني عليهم المذكورين،
وعلى النحو المبين بالتحقيقات. وطلبت النيابة معاقبتهم بالمواد 171، 185،
195، 302، 303/2، 306، 307 من قانون العقوبات، والمادة 15/2 من القانون رقم 40 لسنة
1977 بنظام الأحزاب السياسية المضافة بالقرار بقانون رقم 36 لسنة 1979. وأثناء نظر
الدعوى الجنائية، دفع المدعى أمام محكمة الموضوع - بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثانية
من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه يجب على المتهم بارتكاب جريمة القذف
بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له،
وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية، بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى موظف عام أو
شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار إليه
في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات. وإذ قدرت المحكمة المذكورة جدية
الدفع بعدم الدستورية، فقد صرحت للمدعي بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعى على الفقرة الثانية
من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية - في الحدود السالف بيانها - مخالفتها لأحكام
المواد 47، 67، 69 من الدستور، واستنادا إلى ذات الأسباب التي أقامت عليها المحكمة
الدستورية العليا حكمها الصادر بجلسة 6 فبراير سنة 1993 في الدعوى رقم 37 لسنة 11 ق
"دستورية".
وحيث إن المادة 302 من قانون العقوبات تنص
في فقرتها الأولى على أن "يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة
بالمادة 171 من هذا القانون،
أمورا لو كانت صادقة، لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا، أو
أوجبت احتقاره عند أهل وطنه".
كما
تنص فقرتها الثانية على أنه "ومع ذلك، فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة
نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، لا يدخل تحت حكم هذه المادة إذا حصل بسلامة نية، وكان
لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة بشرط إثبات حقيقة كل فعل أسند
إليه".
أما فقرتها الثالثة فنصها "لا
يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة".
وتوجب الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية، على المتهم بارتكاب
جريمة القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات "أن يقدم للمحقق
عند أول استجواب له -وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية - بيان الأدلة على كل فعل
أسند إلى موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وإلا سقط حقه في إقامة
الدليل المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات".
وجاء في المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون
رقم 113 لسنة 1957 المعدل لقانون الإجراءات الجنائية ما يلي "من المفهوم أن نص
قانون العقوبات على عدم العقاب على القذف في حق الموظف العام أو ذي الصفة النيابية
العامة، أو المكلف بخدمة عامة، مبناه أن المشرع قد افترض في القاذف التأكد بالدليل
من صحة ما يرمي به، وأن أدلته جاهزة لديه قبل النشر، وإلا كان القذف مجازفة يعتمد مرتكبها
على ما يتصيده من أدلة. لذلك يجب التدخل بإلزامه بتقديم هذه الأدلة دون مطل أو تأخير،
وحتى لا تبقى أقدار الناس معلقة مدة قد تطول فيتأذون بهذا التعليق أبلغ الأذى، وأنه
وإن كانت المصلحة العامة قد أباحت الطعن على الموظفين وغيرهم من ذوي الصفات العامة،
فإن هذه المصلحة بعينها تقضى بحمايتهم من المفتريات التي توجه إليهم نكالا بأشخاصهم
فتصيب الصالح العام من ورائهم بأفدح الأضرار، فرؤي لذلك إضافة حكم جديد إلى
المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية يوجب على المتهم بارتكاب جريمة قذف بطريق النشر
في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم عند أول استجواب له - وعلى الأكثر في
الخمسة الأيام التالية - بيان الأدلة على وقائع القذف، وإلا سقط حقه في إثباتها بعد
ذلك. على أن هذا الإيجاب لا يتجاوز مطالبته بتقديم صور الأوراق التي يستند إليها، وأسماء
الشهود الذين يعتمد على شهادتهم ومن يستشهدهم عليه. وغني عن البيان أن إيراد
هذا الحكم في المادة 123 بباب التحقيق بمعرفة قاضى التحقيق، ينصرف أيضا بطريق اللزوم
إلى التحقيق بمعرفة النيابة العامة، إعمالا للمادة 199 التي تسحب الأحكام المقررة لقاضي
التحقيق على إجراءات التحقيق بمعرفة النيابة العامة فيما لم يرد فيه نص خاص بها...".
وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين
التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها،
كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول
دون ممارستها بطريقة فعالة. ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنمائها
من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبا
أساسيا توكيدا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة
بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها. وفي هذا الإطار تزايد الاهتمام بالشئون العامة
في مجالاتها المختلفة، وغدا عرض الآراء المتصلة بأوضاعها، وانتقاد أعمال القائمين عليها
مشمولا بالحماية الدستورية، تغليبا لحقيقة أن الشئون العامة، وقواعد تنظيمها وطريقة
إدارتها، ووسائل النهوض بها، وثيقة الصلة بالمصالح المباشرة للجماعة، وهي تؤثر بالضرورة
في تقدمها، وقد تنتكس بأهدافها القومية، متراجعة بطموحاتها إلى الوراء.
ويتعين بالتالي أن يكون انتقاد العمل العام
من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته، حقا مكفولا لكل مواطن، وأن يتم
التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها، أو فرض قيود
مسبقة على نشرها. وهي حرية يقتضيها النظام الديموقراطي، وليس مقصودا بها
مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته، ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة، من خلال ضمان
تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة، وعبر الحدود المختلفة، وعرضها في آفاق مفتوحة
تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها، أو تتصادم في جوهرها، ليظهر ضوء الحقيقة جليا من
خلال مقابلتها ببعض. وقوفا على ما يكون منها زائفا أو صائبا، منطويا على
مخاطر واضحة، أو محققا لمصلحة مبتغاة.
ومن غير المحتمل أن يكون انتقاد الأوضاع
المتصلة بالعمل العام تبصيرا بنواحي التقصير فيه، مؤديا إلى الأضرار بأية مصلحة مشروعة.
وليس جائزا بالتالي أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال
بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة. أو مواطن الخلل في أداء واجباتها. ذلك أن
ما يميز الوثيقة الدستورية، ويحدد ملامحها الرئيسية، هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها،
ولا يفرضها إلا الناخبون. وكلما نكل القائمون بالعمل العام - تخاذلا أو انحرافا - عن
حقيقة واجباتهم مهدرين الثقة العامة المودعة فيهم، كان تقويم اعوجاجهم حقا وواجبا مرتبطا
ارتباطا عميقا بالمباشرة الفعالة للحقوق التي ترتكز في أساسها على المفهوم الديمقراطي
لنظام الحكم، ويندرج تحتها محاسبة الحكومة ومسائلتها ، وإلزامها مراعاة الحدود والخضوع
للضوابط التي فرضها الدستور عليها.
ولا يعدو
إجراء الحوار المفتوح حول المسائل العامة، أن يكون ضمانا لتبادل الآراء على اختلافها،
كي ينقل المواطنون علانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم - ولو كانت السلطة العامة
تعارضها - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا.
ولئن
صح القول بأن النتائج الصائبة هي حصيلة الموازنة بين أراء متعددة جرى التعبير عنها
في حرية كاملة، وإنها في كل حال لا تمثل انتقاء من السلطة العامة لحلول بذاتها تستقل
بتقديرها وتفرضها عنوة، فإن من الصحيح كذلك أن الطبيعة الزاجرة للعقوبة التي توقعها
الدولة على من يخلون بنظامها، لا تقدم ضمانا كافيا لصونه، وأن من الخطر فرض قيود ترهق
حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها، وأن الطريق إلى السلامة القومية إنما
يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح، لمواجهة أشكال من المعاناة - متباينة
في أبعادها - وتقرير ما يناسبها من الحلول النابعة من الإرادة العامة.
ومن ثم
كان منطقيا، بل وأمرا محتوما أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل
بالشئون العامة، ولو تضمن انتقادا حادا للقائمين بالعمل العام. إذ لا يجوز
لأحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون، ولأن حوار القوة إهدار لسلطان
العقل، ولحرية الإبداع والأمل والخيال. وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير
عن أرائه، بما يعزز الرغبة في قمعها، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها، مما
يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، فإن انتقاد
القائمين بالعمل العام - وإن كان مريرا - يظل متمتعا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية
التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية، أو يجاوز الأغراض المقصودة
من إرسائها.
وليس جائزا بالتالي أن تفترض في كل
واقعة جرى إسنادها إلى أحد القائمين بالعمل العام، أنها واقعة زائفة، أو أن سوء القصد
قد خالطها. كذلك فإن الآراء التي تم نشرها في حق أحد ممن يباشرون جانبا من اختصاص الدولة،
لا يجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة في أعلى درجاتها من عرض انحرافاتهم،
وأن يكون المواطنون على بينة من دخائلها. ويتعين دوما أن تتاح لكل مواطن فرصة مناقشتها
واستظهار وجه الحق فيها.
وحيث إن الدستور القائم حرص على النص في
المادة 47 منه على أن حرية الرأي مكفولة، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول
أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، وكان الدستور
قد كفل بهذا النص حرية التعبير عن الرأي بمدلول جاء بها ليشمل التعبير عن الآراء في
مجالاتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الدستور - مع ذلك - عنى
بإبراز الحق في النقد الذاتي والنقد البناء باعتبارهما ضمانين لسلامة البناء الوطني،
مستهدفا بذلك توكيد أن النقد - وإن كان نوعا من حرية التعبير - وهي الحرية الأصل التي
يرتد النقد إليها ويندرج تحتها - لا أن أكثر ما يميز حرية النقد - إذا كان بناء - أنه
في تقدير واضعي الدستور ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطني سويا على قدميه. وما
ذلك إلا لأن الحق في النقد - وخاصة في جوانبه السياسية - يعتبر إسهاما مباشرا في صون
نظام الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وضرورة لازمة للسلوك المنضبط
في الدول الديمقراطية، وحائلا دون الإخلال بحرية المواطن في أن "يعلم"، وأن
يكون في ظل التنظيم بالغ التعقيد للعمل الحكومي، قادرا على النفاذ إلى الحقائق الكاملة
المتعلقة بكيفية تصريفه. على أن يكون مفهوما أن الطبيعة البناءة للنقد - التي حرص الدستور
على توكيدها - لا يراد بها أن ترصد السلطة التنفيذية الآراء التي تعارضها لتحدد ما
يكون منها في تقديرها موضوعيا، إذ لو صح ذلك لكان بيد هذه السلطة أن تصادر الحق في
الحوار العام. وهو حق يتعين أن يكون مكفولا لكل مواطن وعلى قدم المساواة الكاملة. وما
رمى إليه الدستور في هذا المجال هو ألا يكون النقد منطويا على أراء تنعدم قيمها الاجتماعية،
كتلك التي تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية، أو التي تكون منطوية
على الفحش أو محض التعريض بالسمعة. كما لا تمتد الحماية الدستورية إلى آراء تكون لها
بعض القيمة الاجتماعية، ولكن جرى التعبير عنها على نحو يصادر حرية النقاش أو الحوار،
كتلك التي تتضمن الحض على أعمال غير مشروعة تلابسها مخاطر واضحة تتعرض لها مصلحة حيوية.
إذ كان ذلك فإن الطبيعة البناءة للنقد،
لا تفيد لزوما رصد كل عبارة احتواها مطبوع، وتقييمها - منفصلة عن سياقها - بمقاييس
صارمة. ذلك أن ما قد يراه إنسان صوابا في جزئية بذاتها، قد يكون هو الخطأ بعينه عند
آخرين. ولا شبهة في أن المدافعين عن أرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجئون إلى المغالاة،
وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال الذي لا يمكن أن تحيا بدونه، فإن قدرا
من التجاوز يتعين التسامح فيه. ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء
مستوجبا إعاقة تداولها.
وحيث إن الحماية الدستورية لحرية التعبير
- في مجال انتقاد القائمين بالعمل العام - غايتها أن يكون نفاذ الكافة إلى الحقائق
المتصلة بالشئون العامة، وإلى المعلومات الضرورية الكاشفة عنها، متاحا، وألا يحال بينهم
وبينها اتقاء لشبهة التعريض بالسمعة. ذلك أن ما تضيفه إلى دائرة التعريض بالسمعة -
في غير مجالاتها الحقيقية - لتزول عنه الحماية الدستورية، لا بد أن يقتطع من دائرة
الحوار المفتوح المكفول بهذه الحماية، مما يخل في النهاية بالحق في تدفق المعلومات،
وانتقاد الشخصيات العامة بمراجعة سلوكها وتقييمه. وهو حق متفرع من الرقابة
الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة، الحريصين على متابعة جوانبها
السلبية، وتقرير موقفهم منها، ومؤدى إنكاره أن حرية النقد لن يزاولها، أو يلتمس طرقها
إلا أكثر الناس اندفاعا وتهورا، أو أقواهم عزما.
وليس أدعى إلى إعاقة الحوار الحر المفتوح،
من أن يفرض قانون جنائي قيودا باهظة على الأدلة النافية لتهمة التعريض بالسمعة - في
أقوال تضمنها مطبوع - إلى حد يصل إلى إهدار الحق في تقديمها، وهو ما سلكه النص التشريعي
المطعون فيه. ذلك أن الأصل وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون
العقوبات، هو أن انتقاد القائم بالعمل العام، أو من كان مضطلعا بأعبائه، يعتبر أمرا
مباحا بشروط من بينها إثبات الناقد لحقيقة كل فعل أسنده إليه. وقد نظم قانون الإجراءات
الجنائية في الفقرة الثانية من المادة 123 منه الكيفية التي يتم بها هذا الإثبات، وذلك
بإلزام المتهم بأن يقدم للمحقق عند أول استجواب له - وعلى الأكثر في الخمسة الأيام
التالية - بيانا بالأدلة على صحة كل فعل أسنده إلى القائم بالعمل العام، وإلا سقط حقه
في تقديم الدليل.
وإسقاط الحق في تقديم الدليل على هذا
النحو، لا بد أن يعقد ألسنة المعنيين بالعمل العام خوفا، إذا هم أخفقوا في بيانه خلال
ذلك الميعاد الذي ضربه المشرع، وهو ميعاد بالغ القصر. وعبئا على هذا النحو من الثقل،
لا بد أن يكون مثبطا لعزائم هؤلاء الحريصين على إظهار نواحي القصور في الأداء العام،
لأنهم سيتحرجون من إعلان انتقاداتهم هذه، ولو كانوا يعتقدون بصحتها، بل ولو كانت صحيحة
في واقعها، وذلك خوفا من سقوط الحق في تقديم الدليل عليها.
يؤيد
ذلك أن السقوط المقرر بالنص التشريعي المطعون فيه، هو مما لا تترخص محكمة الموضوع في
تقديره، بل يعتبر مترتبا بحكم القانون تبعا لقيام موجبه، بما مؤداه أنه إذا ما حكم
بهذا السقوط، عومل الناقد باعتباره قاذفا في حق القائم بأعباء الوظيفة أو النيابة أو
الخدمة العامة، ولو كان نقده واقعا في إطارها، متوخيا المصلحة العامة، كاشفا عن الحقيقة
دائما، مؤكدا لها في كل جوانبها وجزئياتها، مقرونا بحسن النية، مجردا من غرض التجريح
أو التهوين من مركز القائم بالعمل العام. وهو ما ينحدر بالحق في النقد العام إلى منزلة
الحقوق محددة الأهمية. ويخل بتعدد الآراء التي يتعين أن يشتمل عليها امتياز
الحوار العام.
وحيث إن النص المطعون فيه ينال كذلك
من ضمانة الدفاع التي لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة، بل تمتد مظلتها
كذلك وما يتصل بها من أوجه الحماية، إلى المرحلة السابقة عليها. وهي بعد ضمانة كفلها
الدستور من خلال إلزام ألدوله بأن تعمل على تقرير الوسائل الملائمة التي تعين بها المعوزين
على صون حقوقهم وحرياتهم. وهي أكثر ما تكون لزوما في مواجهة القيود التي
تقوض الحرية الشخصية أو تحد منها. وكذلك كلما ترتب على فواتها سقوط الحق في تقديم الدليل
عند الفصل في اتهام جنائي بما يصادم المفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة
فعالة. ويناقض بالتالي القواعد المبدئية التي لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها،
والتي تعكس في جوهرها نظاما متكامل الملامح يتوخى صون الحق في الحياة والحرية والشخصية
المتكاملة.
ذلك أن من غير المتصور أن يكون دور المحامين
رمزيا أو شكليا، متخاذلا أو قاصرا - عن أن يقدم للمتهمين تلك المعاونة الفعالة التي يقتضيها النظام الاختصامي للعدالة
الجنائية، وقوامها الفرص المتكافئة التي يواجهون من خلالها الأدلة التي طرحتها النيابة
العامة إثباتا للجريمة، مع الحق في دحضها بأدلة النفي التي يقدمونها - لا خلال فترة
زمنية محددة لا يحيدون عنها - بل كلما كان ذلك ممكنا، وإلى أن تصل المحاكمة الجنائية
ذاتها - وعلى امتداد مراحلها - إلى خاتمتها. ودون ذلك لا يكون المحامون شركاء
للسلطة القضائية في سعيها دأبا للوصول إلى الحقيقة، والتماس الوسائل التي تعينها على
تحريها. كما يقع التمييز - في مجال مواجهة الاتهام الجنائي - بين من عناهم
النص المطعون فيه من القاذفين في حق القائم بالعمل العام، وبين غيرهم من المتهمين. ودون أن
يكون هذا التمييز مستندا إلى أسس موضوعية لها ما يظاهرها. وهو ما يعجز المحامين عن
إدارة الدفاع عن موكليهم وفق أصول المهنة ومقتضياتها، وينحدر بضوابط ممارستها إلى حد
إهدار مستوياتها الموضوعية التي يفترض أن يكون التزامها والنزول عليها، حائلا دون تقييد
الحرية الشخصية بغير إتباع الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الإجرائية أو
الموضوعية.
وإذا
كان الدستور - بالنصوص التي كفل بها ضمانة الدفاع - يفترض ألا يقوم المحامون بعمل من
جانبهم يخل بالمعاونة الفعالة التي ينبغي عليهم تقديمها لموكليهم صونا لحقوقهم، فإن
التدخل تشريعيا بما يعوق إنفاذ متطلباتها، يكون كذلك - ومن باب أولى - ممتنعا دستوريا.
ذلك أن مسار الدعوى الجنائية - في إطار الأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه - لن
يكون معبرا عن الحقيقة حتى في صورتها الراجحة، بل مشككا في نتيجتها، ومزعزعا الثقة
في محصلتها النهائية، وهو ما يعتبر هدما للعدالة ذاتها بإنكار موجباته.
ولئن
صح القول بأن كل إهمال للضوابط المثالية التي تفرضها المهنة على المحامين، لا يخل بالضرورة
بضمانة الدفاع، وأن معيار تقييم فعاليتها لا يكون بإنكار حق المحامين في الخلق والابتكار
بما يحد من خياراتهم فيما يعد لازما لإدارة الدفاع عن موكليهم، وإنما يتحدد هذا المعيار
على ضوء ما يعد وفقا للمقاييس الموضوعية سلوكا معقولا يتقيد به المحامون وفقا لأصول
مهنتهم، وكان من الصحيح كذلك أن النص المطعون فيه يؤول عملا إلى طمس الحقائق المتعلقة
بنواحي التقصير في أداء القائمين بالعمل العام، فإنه بذلك يكون منحيا لضمانة الدفاع،
ومخالفا أحكام الدستور التي تتوخى أن تكون المحاكمة الجنائية إطارا منصفا للفصل في
الاتهام الجنائي، وأن يكون مدارها وغايتها النهائية، استكناها للحقيقة بكامل أبعادها،
وبمراعاة أن ضمانة الدفاع هي المدخل إليها، والطريق إلى تعمق أغوارها. ومن ثم يكون
النص المطعون فيه مخالفا لأحكام المواد 40، 41، 47، 67، 69 من الدستور.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة
الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية، من إلزام المتهم بارتكاب جريمة
القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات، أن يقدم للمحقق عند أول استجواب
له، وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية، بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى موظف عام،
أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار
إليه في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات، مع إلزام الحكومة المصروفات
ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
تعليقات
إرسال تعليق