الجمال لوحده لا يكفي .. بقصة "كعيك النوري" للكاتب د. بسام الحاج
§ إن بعض الظن إثم .. بقصة "كعيك النوري" للكاتب د. بسام الحاج
§ الجمال لوحده لا يكفي .. بقصة "كعيك النوري" للكاتب د. بسام الحاج§
ما هو العار الحقيقي؟! ..
بقصة "كعيك النوري" للكاتب د. بسام الحاج
§
قتلها لسانه وليس سكينة ..
بقصة "كعيك النوري" للكاتب د. بسام الحاج
§
النظرة الاجتماعية للمهن
الدنيا.. بقصة "كعيك النوري" للكاتب د. بسام الحاج
§
النظرة الأخيرة أقوى من
الرصاص.. بقصة "كعيك النوري" للكاتب د. بسام الحاج
بقلم
محمود سلامه الهايشه
كاتب وباحث مصري؛ elhaisha@gmail.com
جاءت قصة
"كعيك النّوري" للكاتب الفلسطيني الدكتور/ بسام الحاج، الأولى من
مجموعته القصصية "حرّاس البيادر"، ص11-16، ط1، أغسطس 2019م عن المكتبة
العربية للنشر والتوزيع، مصر؛ من الفقرة الأولى بالقصة وسوف تدرك عزيزي القارىء
بأنها تدور حول فلسفة الحياة، وما يقي شوكها هو المال وليس الجمال!، وتحكي قصة
إحدى الأسر القروية الصغيرة التي هجرت من قرية إلى أخرى في الصفة الغربية بفلسطين
المحتلة.
كُتب متن
القصة باللغة العربية الفصحى، وحتى يوثق الكاتب للهجة الفلسطينية الشعبية الريفية،
ولكي يتناسب الحديث مع المستوى الثقافي والاجتماعي للشخصيات المتحاورة، جاء الحوار
وبه ألفاظ عامية، وقد أورد معانيها المؤلف د.بسام الحاج في معجم الكلمات العامية
الفلسطينية والخاصة بقصته"كعيك النّوري" بنهاية الكتاب (ص107).
وصف
المؤلف أبطال قصته الثلاث (محمد وأخته نظيرة، وأبو جابر) من خلال الشكل الخارجي
وحالتهم المادية من خلال أعمالهم ومهنهم لوصف وضعهم الاجتماعي، وبذكاء السارد تم
وصف باقي الجوانب الحياتية الاقتصادية والطبقية لحال القرية الفلسطينية في ظل
الاحتلال، مع احتفاظها بالعادات والتقاليد والموروث الشعبي العربي المشترك في ربوع
الريف ببلادنا العربية.
قلة فرص
العمل بمعظم قرى الضفة الغربية بسبب تهجير سكانها الأصليين بقوة سلاح المحتل
الغاشم (انتقل محمد من إحدى القرى التي هُجرت في الداخل المحتل بعد المجازر التي
رآها بأم عينيه، وأخذ ينتقل من قرية إلى أخرى في الضفة الغربية، باحثاً عن عمل،
ولكن أني له ذلك؟!)؛ وهنا يجب أن نغوص في وصف الراوي لحال العمل بقرى الضفة
وسعي "محمد" باحثا عن العمل، ففي نصف جملة ذكر لنا بأن هذا البطل قد مر
بظروف نفسية عصيبة جداً، في عاش الحرب وسفك الدماء وموت النساء والأطفال والشيوخ
من أهله وعشيرته وجيرانه وأقاربه، فقد قتل اليهود أبيه وأمه وإخوته قبل الهجرة، ثم
ترك بيته وهُجر، مما يجعلنا أن نصنف تلك القصة بأنها إحدى قصص أدب الحرب والاحتلال،
وبالطبع (فالكلّ في حالة فقر شديد)، فليس لديه المال لكي يشترى أرضا
ليزرعها قمحاً أو (ليصنع من زيتونها (رصيصاً) أخضر أو أسود أو يأخذ منها قليلا
من الزيت كما باقي أهل القرية، أو حتى يزرع بضع شتلات من البندورة، لتكبر وتثمر،
فيأكل حباتها الحمراء ولجفف الباقي فيأكل منه في فصل الشتاء التي تنعدم فيه
الخضراوات)، وأضحى جليا لنا بأن أهم المحاصيل الزراعية بالريف الفلسطيني زراعة
حبوب القمح وأشجار الزيتون بأنواعه المختلفة والخضار وأهمها الطماطم، وبالتالي أهم
الصناعات الغذائية والزراعية المعتمدة على ما تنتجه الأرض المزروعة.
اضطر "محمد"
أن يعمل في أصعب المهن، ففي الصباح صار حذّاءً يقص أظافر الخيل والبغال والحمير،
وفي المساء يتحول إلى صانع للفؤوس ويشحد السكاكين لأهل القرية؛ ولم يبق لمحمد إلا
أخته نظيرة. وهنا أحب أن أسجل ملحوظة يجوز أن الكاتب د.بسام الحاج، كان يقصدها أو
أنها جاءت منه عن دون قصد (بالمصادفة)، ألا وهي أن بطل القصة اسمه
"محمد" وقد تم تهجيره هو واخته بالقوة الجبرية بعد أن تم تقتيل وذبح
أهلهم بقريته من قبل الصهاينة، وهذا ما تم مع الحبيب المصطفى "محمد" صلى
الله عليه وسلم عندما قرار كفار قريش قتله، وقام بقتل وتعذيب من آمن به بأم القرى
"مكة المكرمة"، فأما اشبه الهجرة الكبرى من مكة للمدينة، بهجرة بطل
القصة من قريته لقرى الضفة الغربية، بالقرب من مسرى رسول الله بالقدس الشرقية
العربية (المسجد الأقصى الأسير، أولى القبلتين وثالث الحرمين).
هل جميع
من هم بقرى الضفة فقراء؟!، بالطبع لا، فهناك الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال، فمن
ندرة فرص العمل، جعل أخته "نظيرة" وبرغم جمالها المبهر (بعيونها
الزرقاء ووجها المنير الذي وصفوه بأنه أحلى من القمر) وبسبب فقرها تعمل خادمة
عند الباشا، الذي (يملك معظم أراضي القرية، تخبز لعائلته، وتطعم الأغنام، وتكنس
البيت الواسع)، فلم يشفع لها جمالها، ولتدني مستواها الاجتماعي (فظلت نظيرة
تعمل في خدمة البيوت، .... وتعمل في مهنة الرّقص في أعراس البلد، لتوفر بعض
القروش لعيشتها)، فلم يتقدم أحد لخطبتها، لذلك فكانت تحسد الباشا عندما (تراه
وعائلته يأكلون الدّجاج مرة أو مرتين في الأسبوع، بينما باقي أهل القرية يأكلونه
مرة كل شهرين أو ثلاثة)؛ يعتقد البعض أن الحسد على المال والجمال والأولاد فقط،
ولكن هناك حسد على الصحة والعافية وهدوء البال،
فالغنى محسود والفقير محسود، فقد ينفق الغنى 10 آلاف جنيه يوميا في حين ينفق فقير
30 جنيه يوميا فيحسده الغنى، متعجباً ويقول فى نفسه :"كيف يعيش بهذا المبلغ الضئيل
وأنا لا يكفيني 10 آلاف جنيه يوميا؟!، فكات "نظيرة" تقول: (ناس
بوكلوا الجاج وناس بوقعوا في السياج، آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآخ الدنيا حظوظ.).
فمن شدة
فقرها كانت "نظيرة" تعيش مع أخيها "محمد" في خيمة، فلم يكن
لهم بيت، لذا كان يراها الكثير من رجال القرية ما (إلا متعة عابرة لفريسة تبحث
عن صيد يلتهمه ثم يلقى ما تبقى منه على قارعة الطريق؟!)، ولأن الفتنة أشد من
القتل، وهناك بشر يعيشون حولنا ما هم إلا شياطين في شكل بشر، ذهب رجل لأخيها
"محمد" معروف عنه الفساد والفتنة، راودها عن نفسها، قبل عدة أيام فأبت،
بحجة أنه يريد أن يصنع له فأساً، وغادر خيمة النوري، بعد أن خاض في عرض نظيرة
وألقى سمومه في قلب أخيها محمد، وبمجرد أن وصلت نظيرة الخيمة طرح عليها السؤال (ولم
تكد تجبه عن سؤاله حتى عاجلها بغرز سكينه في صدرها)، أسلمت روحها إلى بارئها،
بسبب عار العقول المريضة، وامتناعها بأن تكون عاهرة تقدم جسدها لكل طالب، وهذا إن
دل فإنما يدل على أن الفقر ليس قلة الأموال والأطيان بل هو فقر العقول، كيف طاوعته
يده أن يضرب بخنجر اللامع ضربته الساحقة في صدر أخته الوحيدة ومن تبقى له في
الدنيا من أهله؟!، وهذا الموقف ينطبق عليه قول المولى عز وجل في سورة الحجرات
الآية رقم 6 (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين).
يؤدي الهم والحزن الي العجز والكسل، ظل العار يلاحقه،
وينهش من جسده، مما جعله يخجل من نفسه قبل الناس، ويندم في وقت لات فيه حين ندم، (فلم
يجد بداً إلا أن ينكفىء على نفسه، ويبعد خيمته أكثر من عيون الناس)، الحزن
بسبب المكروه المؤلم على القلب على أمر قد مضى (صار مهموماً مغموما، لا ينظر
إلا أمامه، مما جعل ظهره ينحني شيئاً فشيئاً، وبدا جماله يخبو وقوته تفتر
وتزول، ولم يعد قادراً على إشعال النيران، ليصنع الفؤوس، كل شيء قد خبا، حتى اسمه
صار كعيك النوري).
ولأن منغصات الحياة كثيرة من جميع الوجوه، في النفس،
والجسد، والعقل، والقلب. ويؤدي شدة الهم والحزن بالإنسان إلى الموت،فذهب كعيك
إلى ربه (وهو يحمل نظرات الناس الجارحة، وكلامهم القاتل)، ولكن القاتل
الحقيقي لنظيرة صاحب الفتنة ظل يصول ويجول في القرية (يرفع رأسه عالياً، ويمارس
عمله دون رادع، يبحث عن نظيرة أخرى يقتلها بلسانه قبل أن ينهش جسدها بأنيابه، رغم
مرور عشرات السنين على موتها)، خاتمة صادمة للقصة، ولكنها واقعية ومنطقية
ونراها جميعا تحدث في عالماً، فنحن في أشدّ الحاجة في زمننا هذا للابتعاد عن الحقد
والانتقام والحسد والغل والظلم، وقد تكالبت علينا الهموم، والغموم والأعداء من كل
مكان.
تعليقات
إرسال تعليق